شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٢٩٦
وفاكهتي وطعامي ما أنبتت الأرض، أبيت وليس لي شئ، وليس على الأرض أحد أغنى منى.
وفي بعض الكتب القديمة: إن الله تعالى لما بعث موسى وهارون عليه السلام إلى فرعون قال: لا يروعنكما لباسه الذي لبس من الدنيا، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني، ولا يعجبكما ما متع به منها، فإن ذلك زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما وهبتما لفعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك، وأزوى ذلك عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم حب المقام فيها كما يجنب الراعي الشفيق أبله عن مبارك العر، وما ذاك لهوانهم على، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفورا، إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخضوع والخوف، وإن التقوى لتثبت في قلوبهم، فتظهر على وجوههم، فهي ثيابهم التي يلبسونها، ودثارهم الذي يظهرون، وضميرهم الذي يستشعرون، ونجاتهم التي بها يفوزون، ورجاؤهم الذي إياه يأملون، ومجدهم الذي به يفتخرون، وسيماهم التي بها يعرفون، فإذا لقيهم أحدكما فليخفض لهم جناحه، وليذلل لهم قلبه ولسانه، وليعلم إنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، ثم أنا الثائر به يوم القيامة.
ومن كلام بعض الحكماء: الأيام سهام، والناس أغراض، والدهر يرميك كل يوم بسهامه، ويتخرمك بلياليه وأيامه، حتى يستغرق جميع أجزائك، ويصمي جميع أبعاضك، فكيف بقاء سلامتك مع وقوع الأيام بك، وسرعة الليالي في بدنك! ولو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعات بك، ولكن تدبير الله تعالى فوق النظر والاعتبار.
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تابع ما ورد من حكمه عليه السلام ومختار أجوبة مسائله، وكلامه 7
2 فصل في الحياء وما قيل فيه 45
3 مثل من شجاعة علي عليه السلام 60
4 قصة غزوة الخندق 62
5 ما جرى بين يحيى بن عبد الله وعبد الله بن مصعب عند الرشيد 91
6 من كلامه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي وشرح ذلك 99
7 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن عبيد 116
8 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن قتيبة 124
9 خطبة منسوبة للإمام علي خالية من حرف الألف 140
10 من كلامه عليه السلام في وصف صديق وشرح ذلك 183
11 نبذ من الأقوال الحكيمة في حمد القناعة وقلة الأكل 184
12 نبذ من الأقوال الحكيمة في الفقر والغنى 227
13 نبذ من الأقوال الحكيمة في الوعد والمطل 248
14 نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا وصروفها 287
15 أقوال مأثورة في الجود والبخل 316
16 نبذ مما قيل في حال الدنيا وهوانها واغترار الناس بها 326
17 مما ورد في الطيب من الآثار 341
18 نبذ مما قيل في التيه والفخر 352
19 طرائف حول الأسماء والكنى 365
20 أقوال في العين والسحر والعدوي والطيرة والفأل 372
21 نكت في مذاهب العرب وتخيلاتها 383