وقال أبو سليمان الرازي: إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا فزاحمتها، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تزاحمها الآخرة، لان الآخرة كريمة، والدنيا لئيمة.
وقال مالك بن دينار: بقدر ما تحزن للدنيا يخرج هم الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج هم الدنيا من قلبك. وهذا مقتبس من قول أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا والآخرة ضرتان، فبقدر ما ترضى إحداهما تسخط (1) الأخرى.
وقال الشاعر:
يا خاطب الدنيا إلى نفسها * تنح عن خطبتها تسلم إن التي تخطب غدارة * قريبة العرس من المأتم.
وقالوا لو وصفت الدنيا نفسها لما قالت أحسن من قول أبي نؤاس فيها:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق (2).
ومن كلام الشافعي يعظ أخا له: يا أخي، إن الدنيا دحض مزلة (3)، ودار مذلة، عمرانها إلى الخراب سائر، وساكنها إلى القبور زائر، شملها على الفرقة موقوف، وغناها إلى الفقر مصروف، الاكثار فيها إعسار، والإعسار فيها يسار، فافزع إلى الله، وارض برزق الله، ولا تستسلف من دار بقائك في دار فنائك، فإن عيشك فئ زائل، وجدار مائل. أكثر من عملك، واقصر من أملك.
وقال إبراهيم بن أدهم لرجل: أدرهم في المنام أحب إليك أم دينار في اليقظة؟
فقال: دينار في اليقظة فقال: كذبت إن الذي تحبه في الدنيا فكأنك تحبه في المنام، والذي تحبه في الآخرة فكأنك تحبه في اليقظة.
وقال بعض الحكماء: من فرح قلبه بشئ من الدنيا فقد أخطأ الحكمة، ومن