جعل شهوته تحت قدميه فرق الشيطان من ظله، ومن غلب علمه هواه فهو الغالب.
وقال بعضهم: الدنيا تبغض إلينا نفسها ونحن نحبها، فكيف لو تحببت إلينا!
وقال بعضهم: الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والجنة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها.
وقال يحيى بن معاذ: العقلاء ثلاثة: من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يدخله، وأرضى خالقه قبل أن يلقاه.
وقال بعضهم: من أراد أن يستغنى عن الدنيا بالدنيا كان كمطفئ النار بالتبن.
ومن كلام بعض فصحاء الزهاد: أيها الناس اعملوا في مهل، وكونوا من الله على وجل، ولا تغتروا بالأمل، ونسيان الاجل، ولا تركنوا إلى الدنيا، فإنها غدارة غرارة خداعة، قد تزخرفت لكم بغرورها، وفتنتكم بأمانيها، وتزينت لخطابها، فأضحت كالعروس المتجلية، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها عاكفة، والنفوس لها عاشقة.
فكم من عاشق لها قتلت، ومطمئن إليها خذلت! فانظروا إليها بعين الحقيقة، فإنها دار كثرت بوائقها، وذمها خالقها، جديدها يبلى، وملكها يفنى، وعزيزها يذل وكثيرها يقل، وحيها يموت، وخيرها يفوت، فاستيقظوا من غفلتكم، وانتبهوا من رقدتكم، قبل أن يقال: فلان عليل، ومدنف ثقيل، فهل على الدواء من دليل، وهل إلى الطبيب من سبيل؟ فتدعى لك الأطباء، ولا يرجى لك الشفاء، ثم يقال: فلان أوصى، وماله أحصى، ثم يقال: قد ثقل لسانه فما يكلم إخوانه، ولا يعرف جيرانه، وعرق عند ذلك جبينك، وتتابع أنينك، وثبت يقينك، وطمحت جفونك، وصدقت ظنونك، وتلجلج لسانك، وبكى إخوانك، وقيل لك: هذا ابنك فلان، وهذا أخوك