فلان، منعت من الكلام فلا تنطق، وختم على لسانك فلا ينطبق، ثم حل بك القضاء، وانتزعت روحك من الأعضاء، ثم عرج بها إلى السماء، فاجتمع عند ذلك إخوانك، وأحضرت أكفانك، فغسلوك وكفنوك، ثم حملوك فدفنوك، فانقطع عوادك، واستراح حسادك، وانصرف أهلك إلى مالك، وبقيت مرتهنا بأعمالك.
وقال بعض الزهاد لبعض الملوك: إن أحق الناس بذم الدنيا وقلاها من بسط له فيها، وأعطى حاجته منها، لأنه يتوقع آفة تغدو على ماله فتجتاحه، وعلى جمعه فتفرقه أو تأتى على سلطانه فتهدمه من القواعد، أو تدب إلى جسمه فتسقمه، أو تفجعه بشئ هو ضنين به من أحبابه، فالدنيا الأحق بالذم، وهي الآخذة ما تعطى، الراجعة فيما تهب، فبينا هي تضحك صاحبها إذ أضحكت منه غيره، وبينا هي تبكي له إذ أبكت عليه، وبينا هي تبسط كفه بالإعطاء إذ بسطت كفها إليه بالاسترجاع والاسترداد، تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم وتعفره في التراب غدا، سواء عليها ذهاب من ذهب وبقاء من بقي، تجد في الباقي من الذاهب خلفا، وترضى بكل من كل بدلا.
وكتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة، وإنما أنزل إليها عقوبة فاحذرها فإن الزاد منها ربحها، والغنى منها فقرها، لها في كل حين قتيل، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها، هي كالسم يأكله من لا يعرفه وهو حتفه، فكن فيها كالمداوي جراحه، يحمى قليلا مخافة ما يكرهه طويلا، ويصبر على شدة الدواء، مخافة طول البلاء، فاحذر هذه الدنيا الغدارة المكارة، الختالة الخداعة، التي قد تزينت بخدعها، وفتنت بغرورها، وتحلت بآمالها، وتشرفت لخطابها، فأصبحت بينهم كالعروس تجلى على بعلها، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، والنفوس لها عاشقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الاخر بالأول مزدجر، ولا العارف بالله حين أخبره عنها مدكر، فمن عاشق لها قد