وقال بعض الحكماء - وقد استوصف الدنيا وقدر بقائها -: الدنيا وقتك الذي يرجع إليه طرفك، لان ما مضى عنك فقد فاتك إدراكه، وما لم يأت فلا علم لك به، والدهر يوم مقبل تنعاه ليلته، وتطويه ساعاته، وأحداثه تتوالى على الانسان، بالتغيير والنقصان، والدهر موكل بتشتيت الجماعات، وانخرام الشمل، وتنقل الدول، والأمل طويل، والعمر قصير، وإلى الله تصير الأمور.
وقال بعض الفضلاء: الدنيا سريعة الفناء، قريبة الانقضاء، تعد بالبقاء، وتخلف في الوفاء، تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة، وهي سائرة سيرا عنيفا، ومرتحلة ارتحالا سريعا، ولكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها، وإنما يحس بذلك بعد انقضائها، ومثالها الظل: فإنه متحرك ساكن، متحرك في الحقيقة، وساكن في الظاهر، لا تدرك حركته بالبصر الظاهر، بل بالبصيرة الباطنة.