وقيل لحكيم: علمنا عملا واحدا إذا عملناه أحبنا الله عليه، فقال: ابغضوا الدنيا يحببكم الله.
وقال أبو الدرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولهانت عليكم الدنيا، ولآثرتم الآخرة).
ثم قال أبو الدرداء من قبل نفسه: أيها الناس، لو تعلمون ما أعلم لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أنفسكم، ولتركتم أموالكم لا حارس لها، ولا راجع إليها إلا ما لا بد لكم منه، ولكن غاب عن قلوبكم ذكر الآخرة، وحضرها الامل، فصارت الدنيا أملك بأعمالكم، وصرتم كالذين لا يعلمون، فبعضكم شر من البهائم التي لا تدع هواها، ما لكم لا تحابون ولا تناصحون في أموركم، وأنتم اخوان على دين واحد، ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم، ولو اجتمعتم على البر لتحاببتم، ما لكم لا تناصحون في أموركم، ما هذا إلا من قلة الايمان في قلوبكم، ولو كنتم توقنون بأمر الآخرة كما توقنون بالدنيا لآثرتم طلب الآخرة، فإن قلت: حب العاجلة غالب، فإنا نراكم تدعون العاجل من الدنيا للأجل منها، ما لكم تفرحون باليسير من الدنيا، وتحزنون على اليسير منها يفوتكم، حتى يتبين ذلك في وجوهكم، ويظهر على ألسنتكم، وتسمونها المصائب، وتقيمون فيها المآتم، وعامتكم قد تركوا كثيرا من دينهم ثم لا يتبين ذلك في وجوههم، ولا تتغير حال بهم، يلقى بعضهم بعضا بالمسرة، ويكره كل منكم أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله، فاصطحبتم على الغل، وبنيتم مراعيكم على الدمن، وتصافيتم على رفض الاجل، أراحني الله منكم، وألحقني بمن أحب رؤيته.
وقال حكيم لأصحابه: ارضوا بدنئ الدنيا مع سلامة الدين، كما رضى أهل الدنيا بدنئ الدين مع سلامة الدنيا.