إذا أدبرت كانت على المرء حسرة * وإن أقبلت كانت كثيرا همومها.
وقال بعض الحكماء: كانت الدنيا ولم أكن فيها، وتذهب الدنيا ولا أكون فيها، ولست أسكن إليها، فإن عيشها نكد، وصفوها كدر، وأهلها منها على وجل، إما بنعمة زائلة، أو ببلية نازلة، أو ميتة قاضية. وقال بعضهم: من عيب الدنيا إنها لا تعطى أحدا ما يستحق، إما أن تزيد له، وإما أن تنقص.
وقال سفيان الثوري: اما ترون النعم كأنها مغضوب عليها، قد وضعت في غير أهلها.
وقال يحيى بن معاذ: الدنيا حانوت الشيطان، فلا تسرق من حانوته شيئا، فإنه يجئ في طلبك حتى يأخذك.
وقال الفضيل: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفا يبقى على ذهب يفنى، فكيف وقد اخترنا خزفا يفنى على ذهب يبقى!
وقال بعضهم: ما أصبح أحد في الدنيا إلا وهو ضيف، ولا شبهة في أن الضيف مرتحل، وما أصبح ذو مال فيها إلا وماله عارية عنده، ولا ريب أن العارية مردودة.
ومثل هذا قول الشاعر وما المال والأهلون إلا وديعة * ولا بد يوما أن ترد الودائع (1).
وقيل لإبراهيم بن أدهم: كيف أنت؟ فأنشد:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا * فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع