قال: " لما قد اختزن دونك "، يعنى التسمي بإمرة المؤمنين.
ثم قال: " فرارا من الحق "، أي فعلت ذلك كله هربا من التمسك بالحق والدين، وحبا للكفر والشقاق والتغلب.
قال: " وجحودا لما هو ألزم "، يعنى فرض طاعة على (عليه السلام)، لأنه قد وعاها سمعه، لا ريب في ذلك، إما بالنص في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما تذكره الشيعة - فقد كان معاوية حاضرا يوم الغدير لأنه حج معهم حجة الوداع، وقد كان أيضا حاضرا يوم تبوك حين قال له بمحضر من الناس كافة: " أنت منى بمنزلة هارون من موسى "، وقد سمع غير ذلك - وإما بالبيعة كما نذكره نحن فإنه قد اتصل به خبرها، وتواتر عنده وقوعها، فصار وقوعها عنده معلوما بالضرورة كعلمه بأن في الدنيا بلدا اسمها مصر، وأن كان ما رآها.
والظاهر من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه يريد المعنى الأول! ونحن نخرجه على وجه لا يلزم منه ما تقوله الشيعة فنقول: لنفرض أن النبي (صلى الله عليه وآله) ما نص عليه بالخلافة بعده، أليس يعلم معاوية وغيره من الصحابة أنه لو قال له في ألف مقام: " أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت "، ونحو ذلك من قوله: " اللهم عاد من عاداه، ووال من والاه "، وقوله: " حربك حربي وسلمك سلمى "، وقوله: " أنت مع الحق والحق معك "، وقوله: " هذا منى وأنا منه "، وقوله: " هذا أخي "، وقوله: " يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، وقوله: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، وقوله: " إنه ولى كل مؤمن [ومؤمنة (1)] بعدي "، وقوله: في كلام قاله: " خاصف النعل "، وقوله:
" لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق "، وقوله: " إن الجنة لتشتاق إلى أربعة "، وجعله أولهم، وقوله لعمار: " تقتلك الفئة الباغية "، وقوله: " ستقاتل الناكثين والقاسطين