فيخاف من إفشاء السر إليهم أن تنقدح في قلوبهم شبهة بأدنى خاطر، فإن مقام المعرفة مقام خطر صعب لا يثبت تحته إلا الافراد من الرجال، الذين أيدوا بالتوفيق والعصمة.
وثالثها: رجل صاحب لذات وطرب مشتهر بقضاء الشهوة، فليس من رجال هذا الباب.
ورابعها: رجل عرف بجمع المال وادخاره، لا ينفقه في شهواته ولا في غير شهواته، فحكمه حكم القسم الثالث.
ثم قال (عليه السلام): " كذلك يموت العلم بموت حاميه "، أي إذا مت مات العلم الذي في صدري، لأني لم أجد أحدا أدفعه، إليه، وأورثه إياه. ثم استدرك فقال:
" اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله تعالى " كيلا يخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده، ومسيطر عليهم، وهذا يكاد يكون تصريحا بمذهب الإمامية، إلا أن أصحابنا يحملونه على أن المراد به الابدال الذين وردت الاخبار النبوية عنهم أنهم في الأرض سائحون، فمنهم من يعرف، ومنهم من لا يعرف، وإنهم لا يموتون حتى يودعوا السر، وهو العرفان عند قوم آخرين يقومون مقامهم.
ثم استنزر عددهم فقال: " وكم ذا! " أي كم ذا القبيل! وكم ذا الفريق!
ثم قال: " وأين أولئك! " استبهم مكانهم ومحلهم.
ثم قال: " هم الأقلون عددا، الأعظمون قددا ".
ثم ذكر أن العلم هجم بهم على حقيقة الامر، وانكشف لهم المستور المغطى، وباشروا راحة اليقين وبرد القلب وثلج العلم، واستلانوا ما شق على المترفين من الناس، ووعر عليهم نحو التوحد ورفض الشهوات وخشونة العيشة.