ثم قال (عليه السلام): " هلك خزان المال وهم أحياء وذلك لان المال المخزون لا فرق بينه وبين الصخرة المدفونة تحت الأرض، فخازنه هالك لا محالة، لأنه لم يلتذ بإنفاقه، ولم يصرفه في الوجوه التي ندب الله تعالى إليها، وهذا هو الهلاك المعنوي، وهو أعظم من الهلاك الحسى.
ثم قال: " والعلماء باقون ما بقي الدهر "، هذا الكلام له ظاهر وباطن فظاهره قوله:
" أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة "، أي آثارهم وما دونوه من العلوم، فكأنهم موجودون، وباطنه أنهم موجودون حقيقة لا مجازا، على قول من قال ببقاء الأنفس، وأمثالهم في القلوب كناية ولغز، ومعناه ذواتهم في حظيرة القدوس، والمشاركة بينها وبين القلوب ظاهرة، لان الامر العام الذي يشملها هو الشرف، فكما أن تلك أشرف عالمها، كذا القلب أشرف عالمه، فاستعير لفظ أحدهما وعبر به عن الاخر.
قوله (عليه السلام): " ها إن هاهنا لعلما جما، وأشار بيده إلى صدره "، هذا عندي إشارة إلى العرفان والوصول إلى المقام الأشرف الذي لا يصل إليه إلا الواحد الفذ من العالم ممن لله تعالى فيه سر، وله به اتصال.
ثم قال: " لو أصبت له حملة! " ومن الذي يطيق حمله! بل من الذي يطيق فهمه فضلا عن حمله!
ثم قال: " بلى أصيب ".
ثم قسم الذي يصيبهم خمسه أقسام:
أحدهم أهل الرياء والسمعة، الذين يظهرون الدين والعلم ومقصودهم الدنيا، فيجعلون الناموس الديني شبكة لاقتناص الدنيا.
وثانيها: قوم من أهل الخير والصلاح ليسوا بذوي بصيرة في الأمور الإلهية الغامضة،