شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ٣٤٩
النفس مع انتفاء ما يشغلها عن التمتع به، والتلذذ بمصاحبته، والذي كان يشغلها عنه في الدنيا استغراقها في تدبير البدن، وما تورده عليها الحواس من الأمور الخارجية، ولا ريب أن العاشق إذا خلا بمعشوقه، وانتفت عنه أسباب الكدر، كان في لذة عظيمة، فهذا هو سر قوله: " وصنيع المال يزول بزواله ".
فإن قلت: ما معنى قوله (عليه السلام): " معرفة العلم دين يدان به "، وهل هذا إلا بمنزله قولك: معرفة المعرفة أو علم! العلم وهذا كلام مضطرب.
قلت: تقديره معرفة فضل العلم أو شرف العلم، أو وجوب العلم دين يدان به، أي المعرفة بذلك من أمر الدين، أي ركن من أركان الدين واجب مفروض.
ثم شرح (عليه السلام) حال العلم الذي ذكر أن معرفة وجوبه أو شرفه دين يدان به، فقال: " العلم يكسب الانسان الطاعة في حياته "، أي من كان عالما كان لله تعالى مطيعا، كما قال سبحانه: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ (1).
ثم قال: " وجميل الأحدوثة بعد وفاته "، أي الذكر الجميل بعد موته.
ثم شرع في تفضيل العلم على المال من وجه آخر، فقال: " العلم حاكم، والمال محكوم عليه "، وذلك لعلمك أن مصلحتك في إنفاق هذا المال تنفقه، ولعلمك بأن المصلحة في إمساكه تمسكه، فالعلم بالمصلحة، داع وبالمضرة صارف، وهما الأمران لحاكمان بالحركات والتصرفات إقداما، وإحجاما، ولا يكون القادر قادرا مختارا إلا باعتبارهما، وليسا إلا عبارة عن العلم أو ما يجرى مجرى العلم من الاعتقاد والظن، فإذن قد بان وظهر أن العلم من حيث هو علم حاكم، وأن المال أو ليس بحاكم، بل محكوم عليه.

(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407