النفس مع انتفاء ما يشغلها عن التمتع به، والتلذذ بمصاحبته، والذي كان يشغلها عنه في الدنيا استغراقها في تدبير البدن، وما تورده عليها الحواس من الأمور الخارجية، ولا ريب أن العاشق إذا خلا بمعشوقه، وانتفت عنه أسباب الكدر، كان في لذة عظيمة، فهذا هو سر قوله: " وصنيع المال يزول بزواله ".
فإن قلت: ما معنى قوله (عليه السلام): " معرفة العلم دين يدان به "، وهل هذا إلا بمنزله قولك: معرفة المعرفة أو علم! العلم وهذا كلام مضطرب.
قلت: تقديره معرفة فضل العلم أو شرف العلم، أو وجوب العلم دين يدان به، أي المعرفة بذلك من أمر الدين، أي ركن من أركان الدين واجب مفروض.
ثم شرح (عليه السلام) حال العلم الذي ذكر أن معرفة وجوبه أو شرفه دين يدان به، فقال: " العلم يكسب الانسان الطاعة في حياته "، أي من كان عالما كان لله تعالى مطيعا، كما قال سبحانه: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ (1).
ثم قال: " وجميل الأحدوثة بعد وفاته "، أي الذكر الجميل بعد موته.
ثم شرع في تفضيل العلم على المال من وجه آخر، فقال: " العلم حاكم، والمال محكوم عليه "، وذلك لعلمك أن مصلحتك في إنفاق هذا المال تنفقه، ولعلمك بأن المصلحة في إمساكه تمسكه، فالعلم بالمصلحة، داع وبالمضرة صارف، وهما الأمران لحاكمان بالحركات والتصرفات إقداما، وإحجاما، ولا يكون القادر قادرا مختارا إلا باعتبارهما، وليسا إلا عبارة عن العلم أو ما يجرى مجرى العلم من الاعتقاد والظن، فإذن قد بان وظهر أن العلم من حيث هو علم حاكم، وأن المال أو ليس بحاكم، بل محكوم عليه.