فإن قلت: فما مثال الحكمة وخلافها، وإن لم يذكر (عليه والسلام) مثاله؟
قلت كالشجاعة في القلب وضدها الجبن وكالجود وضده البخل، وكالعفة وضدها الفجور، ونحو ذلك.
فأما الأمور التي عددها (عليه السلام) فكلام مستأنف، إنما هو بيان أن كل شئ مما يتعلق بالقلب يلزمه لازم آخر نحو الرجاء، فإن الانسان إذا اشتد رجاؤه أذله الطمع، والطمع يتبع الرجاء، والفرق بين الطمع والرجاء أن الرجاء توقع منفعة ممن سبيله أن تصدر تلك المنفعة عنه، والطمع توقع منفعة ممن يستبعد وقوع تلك المنفعة منه، ثم قال:
وإن هاج به الطمع قتله الحرص، وذلك لان الحرص يتبع الطمع، إذا لم يعلم الطامع أنه طامع، وإنما يظن أنه راج.
ثم قال: وإن ملكه اليأس، قتله الأسف، أكثر الناس إذا يئسوا أسفوا.
ثم عدد الأخلاق وغيرها من الأمور الواردة في الفصل إلى آخره، ثم ختمه بأن قال:
" فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد "، وقد سبق كلامنا في العدالة، وإنها الدرجة الوسطى بين طرفين هما رذيلتان، والعدالة هي الفضيلة، كالجود الذي يكتنفه التبذير والامساك والذكاء الذي يكتنفه الغباوة. والجربزة (1)، والشجاعة التي يكتنفها الهوج والجبن، وشرحنا ما قاله الحكماء في ذلك شرحا كافيا، فلا معنى لإعادته.