شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ٢٧٠
سفيان بن معاوية المهلبي أمير البصرة يومئذ - وكان سفيان واجدا على ابن المقفع لأنه كان يعبث به ويضحك منه دائما، فغضب سفيان يوما من كلامه، وافترى عليه، فرد ابن المقفع عليه ردا فاحشا، وقال له: يا بن المغتلمة! وكان يمتنع ويعتصم بعيسى وسليمان ابني علي بن عبد الله بن العباس، فحقدها سفيان عليه - فلما كوتب في أمره بما كوتب اعتزم قتله، فاستأذن عليه جماعة من أهل البصرة منهم ابن المقفع، فأدخل ابن المقفع قبلهم، وعدل به إلى حجرة في دهليزه، وجلس غلامه بدابته ينتظره على باب سفيان، فصادف ابن المقفع في تلك الحجرة سفيان بن معاوية، وعنده غلمانه وتنور نار يسجر، فقال له سفيان: أتذكر يوم قلت لي كذا! أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد، ثم قطع أعضاءه عضوا عضوا، وألقاها في النار وهو ينظر إليها حتى أتى على جميع جسده، ثم أطبق التنور عليه، وخرج إلى الناس فكلمهم، فلما خرجوا من عنده تخلف غلام ابن المقفع ينتظره فلم يخرج فمضى وأخبر عيسى بن علي وأخاه سليمان بحاله، فخاصما سفيان بن معاوية في أمره، فجحد دخوله إليه، فأشخصاه إلى المنصور، وقامت البينة العادلة أن ابن المقفع دخل دار سفيان حيا سليما ولم يخرج منها. فقال المنصور: أنا أنظر في هذا الامر إن شاء الله غدا، فجاء سفيان ليلا إلى المنصور فقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في صنيعتك ومتبع أمرك، قال: لا ترع، وأحضرهم في غد، وقامت الشهادة، وطلب سليمان وعيسى القصاص، فقال المنصور: أرأيتم إن قتلت سفيان بابن المقفع، ثم خرج ابن المقفع عليكم من هذا الباب - وأومأ إلى باب خلفه - من ينصب لي نفسه حتى أقتله بسفيان؟ فسكتوا، واندفع الامر، وأضرب عيسى وسليمان عن ذكر ابن المقفع بعدها، وذهب دمه هدرا.
قيل للأصمعي: أيما كان أعظم ذكاء وفطنة الخليل أم ابن المقفع؟ فقال: كان ابن المقفع أفصح وأحكم، والخليل آدب وأعقل، ثم قال: شتان ما بين فطنة أفضت بصاحبها إلى القتل، وفطنه أفضت بصاحبها إلى النسك والزهد في الدنيا! وكان الخليل قد نسك قبل أن يموت.
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407