لا يعاقب من عصاه بالقتل، بالخلود في العذاب الأليم! وقد رأى ما قد عقدت عليه قلبك، وعملته جوارحك، ونظر إليه بصرك، واجترحته يداك ومشت إليه رجلاك. وانظر هل يغنى عنك ما شححت عليه من أمر الدنيا إذا انتزعه من يدك ودعاك إلى الحساب على ما منحك!
فبكى المنصور وقال: ليتني لم أخلق! ويحك فكيف أحتال لنفسي؟ قال: إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم، ويرضون بقولهم، فاجعلهم بطانتك يرشدوك، و شاورهم في أمرك يسددوك، قال: قد بعثت إليهم فهربوا منى قال: نعم خافوا أن تحملهم على طريقك، ولكن افتح بابك، وسهل حجابك وانظر المظلوم، واقمع الظالم، وخذ الفئ والصدقات مما حل وطاب واقسمه بالحق والعدل على أهله، وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويسعدوك على صلاح الأمة.
وجاء المؤذنون فسلموا عليه، ونادوا بالصلاة، فقام وصلى، وعاد إلى مجلسه، فطلب الرجل فلم يوجد (1).
وروى أبن قتيبة أيضا في الكتاب المذكور أن عمرو بن عبيد قال للمنصور: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك منه ببعضها، واذكر ليلة تتمخض لك صبيحتها عن يوم القيامة - قال: يعنى ليلة موته - فوجم المنصور، فقال الربيع: حسبك، فقد عممت أمير المؤمنين، فقال عمرو بن عبيد: إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير عليه أن ينصحك يوما واحدا، ولم يعمل وراء بابك بشئ مما في كتاب الله ولا في سنة نبيه! قال أبو جعفر: فما أصنع؟ قد قلت لك، خاتمي في يدك فهلم أنت وأصحابك فاكفني، فقال عمرو: دعنا بعدلك نسخ بأنفسنا بعونك، وببابك مظالم كثيرة (2)، فارددها نعلم أنك صادق (2).