وأهله من الطمع؟ فوالله لقد حشوت مسامعي ما أرمضني (1) فقال: يا أمير المؤمنين، إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من أصولها، وإلا احتجزت منك، واقتصرت على نفسي فلي فيها شاغل، قال: أنت آمن على نفسك، فقل فقال: إن الذي دخله الطمع حتى حال بينه وبين إصلاح ما ظهر من البغي والفساد لأنت قال: ويحك! وكيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء في قبضتي، والحلو والحامض عندي! قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك! إن الله عز وجل استرعاك المسلمين وأموالهم، فأغفلت أمورهم، واهتممت بجمع أموالهم، وجعلت بينك وبينهم حجبا من الجص والاجر، وأبوابا من الحديد، وحجته معهم السلاح، ثم سجنت نفسك فيها منهم، وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها، فقويتهم بالسلاح والرجال و الكراع، وأمرت بالا يدخل عليك إلا فلان وفلان، نفر سميتهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف، ولا الجائع والفقير، ولا الضعيف والعاري، ولا أحد ممن له في هذا المال حق فما زال هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك، وآثرتهم على رعيتك، وأمرت ألا يحجبوا عنك، يجبون الأموال ويجمعونها ويحجبونها، وقالوا: هذا رجل قد خان الله، فما لنا لا نخوته، وقد سخرنا! فائتمروا على ألا يصل إليك من أخبار الناس شئ إلا ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا بغضوه (2) عندك وبغوه الغوائل، حتى تسقط منزلته ويصغر قدره. فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم، وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليقووا بها على ظلم رعيتك، ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلم من، دونهم فامتلأت بلاد الله بالطمع بغيا وفسادا، وصار هؤلاء القوم شركائك في سلطنتك وأنت غافل، فإن جاء متظلم حيل بينه وبين دخول
(١٤٥)