شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ١٤٦
دارك، وإن أراد رفع قصته إليك عند ظهورك وجدك وقد نهيت عن ذلك، ووقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم، فإن جاء المتظلم إليه أرسلوا إلى صاحب المظالم ألا يرفع إليك قصته، ولا يكشف لك حاله، فيجيبهم خوفا منك، فلا يزال المظلوم يختلف نحوه، ويلوذ به، ويستغيث إليه وهو يدفعه، ويعتل عليه، وإذا أجهد وأحرج، وظهرت أنت لبعض شأنك صرخ بين يديك فيضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره، وأنت تنظر ولا تنكر، فما بقاء الاسلام على هذا! ولقد كنت أيام شبيبتي أسافر إلى الصين فقدمتها مرة وقد أصيب ملكها بسمعه، فبكى بكاء شديدا، فحداه (1) جلساؤه على الصبر، فقال: أما إني لست أبكى للبلية النازلة، ولكن أبكى للمظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته! ثم قال: أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب، نادوا في الناس ألا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم (2)، ثم كان يركب الفيل طرفي نهاره ينظر هل يرى مظلوما! فهذا مشرك بالله غلبت رأفته بالمشركين على شح نفسه، وأنت مؤمن بالله من أهل بيت نبيه لا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شح نفسك!
فإن كنت إنما تجمع المال لولدك فقد أراك الله تعالى عبرا في الطفل يسقط من بطن أمه، ماله على الأرض مال، وما من مال يومئذ إلا ودونه يد شحيحة تحويه، فلا يزال الله يلطف بذلك الطفل حتى تعظم رغبه الناس إليه ولست بالذي تعطى، ولكن الله يعطى من يشاء ما يشاء، وإن قلت: إنما أجمع المال لتشييد السلطان، فقد أراك الله عبرا في بنى أمية، ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة، وأعدوا من الرجال والسلاح والكراع حين أراد الله بهم ما أراد، وإن قلت: أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بخلاف ما أنت عليه، انظر هل تعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال: لا قال: فإن الملك الذي خولك ما خولك

(1) عيون الأخبار: " فحثه ".
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407