دارك، وإن أراد رفع قصته إليك عند ظهورك وجدك وقد نهيت عن ذلك، ووقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم، فإن جاء المتظلم إليه أرسلوا إلى صاحب المظالم ألا يرفع إليك قصته، ولا يكشف لك حاله، فيجيبهم خوفا منك، فلا يزال المظلوم يختلف نحوه، ويلوذ به، ويستغيث إليه وهو يدفعه، ويعتل عليه، وإذا أجهد وأحرج، وظهرت أنت لبعض شأنك صرخ بين يديك فيضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره، وأنت تنظر ولا تنكر، فما بقاء الاسلام على هذا! ولقد كنت أيام شبيبتي أسافر إلى الصين فقدمتها مرة وقد أصيب ملكها بسمعه، فبكى بكاء شديدا، فحداه (1) جلساؤه على الصبر، فقال: أما إني لست أبكى للبلية النازلة، ولكن أبكى للمظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته! ثم قال: أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب، نادوا في الناس ألا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم (2)، ثم كان يركب الفيل طرفي نهاره ينظر هل يرى مظلوما! فهذا مشرك بالله غلبت رأفته بالمشركين على شح نفسه، وأنت مؤمن بالله من أهل بيت نبيه لا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شح نفسك!
فإن كنت إنما تجمع المال لولدك فقد أراك الله تعالى عبرا في الطفل يسقط من بطن أمه، ماله على الأرض مال، وما من مال يومئذ إلا ودونه يد شحيحة تحويه، فلا يزال الله يلطف بذلك الطفل حتى تعظم رغبه الناس إليه ولست بالذي تعطى، ولكن الله يعطى من يشاء ما يشاء، وإن قلت: إنما أجمع المال لتشييد السلطان، فقد أراك الله عبرا في بنى أمية، ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة، وأعدوا من الرجال والسلاح والكراع حين أراد الله بهم ما أراد، وإن قلت: أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بخلاف ما أنت عليه، انظر هل تعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال: لا قال: فإن الملك الذي خولك ما خولك