ولقد كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الاسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب (1) في ذلك مغمزا يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده، فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الاسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله ولكتابه، والله حسيبك، فسترد فتعلم لمن عقبى الدار، وبالله لتلقين عن قليل ربك، ثم ليجزينك بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
إن عليا لما مضى لسبيله - رحمة الله عليه يوم قبض ويوم من الله عليه بالاسلام، ويوم يبعث حيا - ولاني المسلمون الامر بعده، فأسأل الله ألا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامة، وإنما حملني على الكتاب إليك الاعذار فيما بيني وبين الله عز وجل في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنك تعلم أني أحق بهذا الامر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب. واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الامر أهله ومن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة (2) بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك سرت (3) إليك بالمسلمين فحاكمتك، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
فكتب معاوية إليه (4):