قالوا: لما سمت بنو أمية أبا هاشم مرض فخرج من الشام وقيذا (1) يؤم المدينة، فمر بالحميمة (2) وقد أشفى، فاستدعى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فدفع الوصية إليه، وعرفه ما يصنع وأخبره بما سيكون من الامر، وقال له: إني لم أدفعها إليك من تلقاء نفسي، ولكن أبى أخبرني عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام بذلك، وأمرني به، وأعلمني بلقائي أياك في هذا المكان، ثم مات فتولى محمد بن علي تجهيزه ودفنه وبث الدعاة حينئذ في طلب الامر، وهو الذي قال لرجال الدعوة، والقائمين بأمر الدولة، حين اختارهم للتوجه، وانتخبهم للدعاء، وحين قال بعضهم: ندعو بالكوفة، وقال بعضهم: بالبصرة. وقال بعضهم: بالجزيرة، وقال بعضهم: بالشام. وقال بعضهم: بمكة وقال بعضهم بالمدينة. واحتج كل انسان لرأيه، واعتل لقوله - فقال محمد: أما الكوفة وسوادها فشيعه علي وولده، وأما البصرة فعثمانية تدين بالكف، وقبيل عبد الله المقتول يدينون بجميع الفرق، ولا يعينون أحد، وأما الجزيرة فحرورية مارقة، والخارجية فيهم فاشية، وأعراب كأعلاج (3)، ومسلمون في أخلاق النصارى، وأما الشام فلا يعرفون إلا آل أبي سفيان، وطاعة بنى مروان، عداوة راسخة، وجهلا متراكما، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، وليس يتحرك معنا في أمرنا هذا منهم أحد، ولا يقوم بنصرنا إلا شيعتنا أهل البيت، ولكن عليكم بخراسان، فإن هناك العدد الكثير، والجلد الظاهر، وصدورا سليمة، وقلوبا مجتمعة، لم تتقسمها الأهواء، ولم تتوزعها النحل، ولم تشغلها ديانة، ولا هدم فيها فساد، وليس لهم اليوم همم (4) العرب، ولا فيهم تجارب كتجارب الاتباع مع السادات، ولا تحالف كتحالف القبائل، ولا عصبية كعصبية العشائر، وما زالوا ينالون ويمتهنون، ويظلمون فيكظمون، وينتظرون الفرج، ويؤملون
(٢٩٣)