لا يغادر واحدا، فإن زعم ذلك زاعم فقد تعدى. وأما اختصاص محمد بن علي بالوصية والخلافة دون إخوته، فقد علمتم أن وراثة السيادة والمرتبة ليس من جنس وراثة الأموال، ألا ترى أن المرأة والصبي والمجنون يرثون الأموال ولا يرثون المراتب! وسواء في الأموال، كان الابن حارضا (1) بائرا، أو بارعا جامعا.
وقيل: وراثة المقام سبيل وراثة اللواء، دفع رسول الله صلى الله عليه وآله لواء بنى عبد الدار إلى مصعب بن عمير، ودفع عمر بن الخطاب لواء بنى تميم إلى وكيع بن بشر، ثم دفعه إلى الأحنف حين لم يوجد في بنى زرارة من يستحق وراثة اللواء، فإن كان الامر بالسن فإنما كان بين محمد بن علي وأبيه علي بن عبد الله أربع عشرة سنة، كان علي يخضب بالسواد، ومحمد يخضب بالحمرة، فكان القادم يقدم عليهما، والزائر يأتيهما، فيظن أكثرهم أن محمدا هو على، وأن عليا هو محمد، حتى ربما قيل لعلي: كيف أصبح الشيخ من علته؟ ومتى رجع الشيخ إلى منزله؟ وأخرى أن أمه كانت العالية بنت عبد الله بن العباس، فقد ولده العباس مرتين، وولده جواد بنى العباس كما والده خيرهم وحبرهم، ولم يكن لأحد من إخوته مثل ذلك. وكان بعض ولد محمد أسن من عامة ولد علي، وولد محمد المهدى بن عبد الله المنصور والعباس بن محمد بن علي في عام واحد، وكذلك محمد بن سليمان بن علي، ولم يكن لأحد من ولد علي بن عبد الله بن العباس - وإن كانوا فضلاء نجباء كرماء نبلاء - مثل عقله ولا كجماله، كان إذا دخل المدينة ومكة جلس الناس على أبواب دورهم والنساء على سطوحهن للنظر إليه، والتعجب من كماله وبهائه، وقد قاتل إخوته أعداءه في دفع الملك إلى ولده غير مكرهين ولا مجبرين، على أن محمدا إنما أخذ الامر عن أساس مؤسس، وقاعدة مقررة، ووصية انتقلت إليه من أبى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأخذها أبو هاشم عن أبيه محمد، وأخذها محمد عن علي بن أبي طالب أبيه.