الثالث قوله: " لنقسمها على كتاب الله "، والبلاغة لا تقتضي ذلك، ولكني أظنه أحب أن يحتاط، وأن يدفع الظنة (1) عن نفسه، فإن الزمان كان في عهده قد فسد، وساءت ظنون الناس، لا سيما مع ما رآه من عثمان واستئثاره بمال الفئ.
ونعود إلى الشرح. قوله عليه السلام: " على تقوى الله "، " على " ليست متعلقة ب " انطلق "، بل بمحذوف تقديره: مواظبا.
قوله: " ولا تروعن " أي لا تفزعن، والروع الفزع، رعته أروعه، ولا تروعن بتشديد الواو وضم حرف المضارعة، من روعت للتكثير.
قوله عليه السلام: " ولا تجتازن عليه كارها "، أي لا تمرن ببيوت أحد من المسلمين يكره مرورك. وروي: " ولا تختارن عليه "، أي لا تقسم ماله وتختر أحد القسمين، والهاء في " عليه " ترجع إلى " مسلما " وتفسير هذا سيأتي في وصيته له أن يصدع المال ثم يصدعه، فهذا هو النهى عن أن يختار على المسلم. والرواية الأولى هي المشهورة.
قوله عليه السلام: " فأنزل بمائهم "، وذلك لان الغريب يحمد منه الانقباض، ويستهجن في القادم أن يخالط بيوت الحي الذي قدم عليه فقد يكون من النساء من لا تليق رؤيته، ولا يحسن سماع صوته، ومن الأطفال من يستهجن أن يرى الغريب انبساطه على أبويه وأهله، وقد يكره القوم أن يطلع الغريب على مأكلهم ومشربهم وملبسهم وبواطن أحوالهم، وقد يكونون فقراء فيكرهون أن يعرف فقرهم فيحتقرهم، أو أغنياء أرباب ثروة كثيرة فيكرهون أن يعلم الغريب ثروتهم فيحسدهم، ثم أمره أن يمضي إليهم غير متسرع ولا عجل ولا طائش نزق، حتى يقوم بينهم فيسلم عليهم