على نفسك كفيلا، وأذكرك نعمتي عليك وعلى من معك، بعد يأسكم من الحياة، وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظك ورشدك من الوفاء بالعهد، والاقتداء بآبائك وأسلافك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه وكرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره.
ومع ذلك فإنك لست على ثقة من الظفر بنا، وبلوغ نهمتك (1) فينا، وإنما تلتمس أمرا يلتمس منك مثله، وتنادي عدوا لعله يمنح النصر عليك، فاقبل هذه النصيحة فقد بالغت في الاحتجاج عليك، وتقدمت بالاعذار إليك، ونحن نستظهر بالله الذي اعتذرنا إليه، ووثقنا بما جعلت لنا من عهده، إذا استظهرت بكثرة جنودك، وازدهتك عدة أصحابك، فدونك هذه النصيحة، فبالله ما كان أحد من أصحابك يبالغ لك أكثر منها، ولا يزيدك عليها، ولا يحرمنك منفعتها مخرجها مني، فإنه ليس يزرى بالمنافع والمصالح عند ذوي الآراء صدورها عن الأعداء، كما لا تحسن المضار أن تكون على أيدي الأصدقاء. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مخاطبتي إياك ضعف من نفسي، ولا من قلة جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجة واستظهارا، فأزداد به للنصر والمعونة من الله استيجابا، ولا أوثر على العافية والسلامة شيئا ما وجدت إليهما سبيلا (2).
فقال فيروز: لست ممن يردعه عن الامر يهم به الوعيد، ولا يصده التهدد والترهيب، ولو كنت أرى ما أطلب غدرا مني، إذا ما كان أحد أنظر ولا أشد إبقاء منى على نفسي، وقد يعلم الله إني لم أجعل لك العهد والميثاق إلا بما أضمرت في نفسي، فلا يغرنك الحال التي كنت صادفتنا عليها من القلة والجهد والضعف.