ولا جعله لك أكلا، ولكنه أمانة في يدك وعنقك للمسلمين، وفوقك سلطان أنت له رعية فليس لك أن تفتات في الرعية الذين تحت يدك، يقال افتات فلان على فلان، إذا فعل بغير إذنه ما سبيله أن يستأذنه فيه، وأصله من الفوت وهو السبق، كأنه سبقه إلى ذلك الامر.
وقوله (ولا تخاطر إلا بوثيقة)، أي لا تقدم على أمر مخوف فيما يتعلق بالمال الذي تتولاه إلا بعد أن تتوثق لنفسك، يقال أخذ فلان بالوثيقة في أمره، أي احتاط.
ثم قال له: (ولعلي لا أكون شر ولاتك)، وهو كلام يطيب به نفسه ويسكن به جأشه، لان في أول الكلام إيحاشا له، إذ كانت ألفاظه تدل على أنه لم يره أمينا على المال، فاستدرك ذلك بالكلمة الأخيرة، أي ربما تحمد خلافتي وولايتي عليك، وتصادف منى إحسانا إليك، أي عسى ألا يكون شكرك لعثمان ومن قبله أكثر من شكرك لي، وهذا من باب وعدك الخفي، وتسمية العرب الملث.
وأول هذا الكتاب:
(من عبد الله على أمير المؤمنين إلى الأشعث بن قيس. أما بعد، فلو لا هنات وهنات كانت منك، كنت المقدم في هذا الامر قبل الناس، ولعل أمرا كان يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله عز وجل، وقد كان من بيعة الناس إياي ما قد علمت، وكان من أمر طلحة والزبير ما قد بلغك، فخرجت إليهما، فأبلغت في الدعاء، وأحسنت في البقية، وإن عملك ليس لك بطعمة....)، إلى آخر الكلام، وهذا الكتاب كتبه إلى الأشعث ابن قيس بعد انقضاء الجمل.