أبي هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سرية أنا فيها إلى عير لقريش، فيها متاع لهم وناس منهم، فقال: إن ظفرتم بهبار بن الأسود ونافع بن عبد قيس، فحرقوهما بالنار، حتى إذا كان الغد بعث فقال لنا: (إني كنت قد أمرتكم بتحريق الرجلين إن أخذتموهما، ثم رأيت أنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا الله تعالى، فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما ولا تحرقوهما) (1).
قلت: لقائل من المجبرة أن يقول أليس هذا نسخ الشئ قبل تقضى (2) وقت فعله، وأهل العدل لا يجيزون ذلك وهذا السؤال مشكل، ولا جواب عنه إلا بدفع الخبر إما بتضعيف أحد من رواته، أو إبطال الاحتجاج به لكونه خبر واحد، أو بوجه آخر، وهو أن نجيز للنبي الاجتهاد في الأحكام الشرعية كما يذهب إليه كثير من شيوخنا، وهو مذهب القاضي أبى يوسف صاحب أبي حنيفة، ومثل هذا الخبر حديث براءة وإنفاذها مع أبي بكر، وبعث علي عليه السلام، فأخذها منه في الطريق، وقرأها على أهل مكة بعد أن كان أبو بكر هو المأمور بقراءتها عليهم.
فإما البلاذري فإنه روى أن هبار بن الأسود كان ممن عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حين حملت من مكة إلى المدينة، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأمر سراياه إن ظفروا به أن يحرقوه بالنار، ثم قال (3): لا يعذب بالنار إلا رب النار، و أمرهم إن ظفروا به أن يقطعوا يديه ورجليه ويقتلوه، فلم يظفروا به، حتى إذا كان يوم الفتح هرب هبار، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة - ويقال أتاه بالجعرانة - حين فرغ من أمر حنين، فمثل بين يديه، وهو يقول أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله، فقبل اسلامه وأمر ألا يعرض له، وخرجت سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله