قال محمد بن إسحاق: وحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: لما ناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله قال له المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوما قد أنتنوا فقال:
(ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني).
قلت لقائل أن يقول لعائشة: إذا جاز أن يعلموا وهم موتى، جاز أن يسمعوا وهم موتى، فإن قالت ما أخبرت أن يعلموا وهم موتى، و لكن تعود الأرواح إلى أبدانهم، وهي في القليب، ويرون العذاب، فيعلمون أن ما وعدهم به الرسول حق قيل لها ولا مانع من أن تعود الأرواح إلى أبدانهم وهي في القليب، فيسمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذن لا وجه لانكارها ما يقوله الناس.
ويمكن أن ينتصر لقول عائشة على وجه حكمي، وهو أن الأنفس بعد المفارقة تعلم ولا تسمع، لان الاحساس إنما يكون بواسطة الآلة، وبعد الموت تفسد الآلة، فأما العلم فإنه لا يحتاج إلى الآلة، لان النفس تعلم بجوهرها فقط.
قال الواقدي: وكان انهزام قريش وتوليها حين زالت الشمس، فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله ببدر، وأمر عبد الله بن كعب بقبض الغنائم وحملها وأمر نفرا من أصحابه أن يعينوه، فصلى العصر ببدر ثم راح فمر بالأثيل قبل غروب الشمس فنزل به، وبات به وبأصحابه جراح، وليست بالكثيرة، وقال من رجل يحفظنا الليلة فأسكت القوم، فقام رجل فقال: من أنت قال: ذكوان بن عبد قيس، قال: إجلس، ثم أعاد القول الثانية، فقام رجل، فقال: من أنت قال: ابن عبد القيس، فقال: إجلس، ثم مكث ساعة وأعاد القول، فقام رجل فقال: من أنت قال: أبو سبع (2)، فسكت.