فشربوا فلم يشرب منهم أحد إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام (1)..
قال الواقدي: فكان سعيد بن المسيب، يقول نجا حكيم من الدهر مرتين، لما أراد الله تعالى به من الخير، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله على نفر من المشركين وهم جلوس يريدونه، فقرأ (يس) ونثر على رؤوسهم التراب، فما أفلت منهم أحد إلا قتل، ما عدا حكيم بن حزام وورد الحوض يوم بدر مع من ورده مع المشركين، فما ورده الا من قتل إلا حكيم بن حزام.
قال الواقدي: فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي، وكان صاحب قداح، فقالوا: أحزر (2) لنا محمدا وأصحابه، فاستجال بفرسه حول العسكر، وصوب في الوادي وصعد، يقول عسى أن يكون لهم مدد أو كمين ثم رجع فقال لا مدد ولا كمين، والقوم ثلاثمائة، إن زادوا قليلا ومعهم سبعون بعيرا ومعهم فرسان، ثم قال:
يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، ألا ترونهم خرسا لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ الأفاعي والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل رجلا، فإذا أصابوا منكم عددهم، فما خير في العيش بعد ذلك فروا رأيكم (3).
قال الواقدي: وحدثني يونس بن محمد الظفري، عن أبيه، إنه قال: لما قال لهم عمير بن وهب هذه المقالة، أرسلوا أبا أسامة الجشمي، وكان فارسا، فأطاف بالنبي صلى الله عليه وآله وأصحابه، ثم رجع إليهم، فقالوا له: ما رأيت قال: والله ما رأيت جلدا ولا عددا ولا حلقة ولا كراعا، ولكني والله رأيت قوما لا يريدون أن يردوا إلى أهليهم رأيت قوما مستميتين، ليست معهم منعة ولا ملجا إلا سيوفهم، زرق العيون،