قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله كيف كانت بنو جمح تؤذى عثمان بن مظعون وتضربه، وهو فيهم ذو سطوة وقدر، وتترك أبا بكر يبنى مسجدا يفعل فيه ما ذكرتم، وأنتم الذين رويتم عن ابن مسعود أنه قال (ما صلينا ظاهرين حتى أسلم عمر بن الخطاب)، والذي تذكرونه من بناء المسجد كان قبل اسلام عمر، فكيف هذا.
واما ما ذكرتم من رقة صوته وعتاق وجهه، فكيف يكون ذلك وقد روى الواقدي وغيره أن عائشة رأت رجلا من العرب خفيف العارضين، معروق الخدين، غائر العينين، أجنأ (1) لا يمسك إزاره، فقالت ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا فلا نراها دلت على شئ من الجمال في صفته.
قال الجاحظ وحيث رد أبو بكر جوار الكناني، وقال لا أريد جارا سوى الله، لقى من الأذى والذل والاستخفاف والضرب ما بلغكم، وهذا موجود في جميع السير، وكان آخر ما لقى هو وأهله في أمر الغار، وقد طلبته قريش وجعلت فيه مائة بعير، كما جعلت في النبي صلى الله عليه وآله، فلقى أبو جهل أسماء بنت بكر، فسألها فكتمته، فلطمها حتى رمت قرطا كان في اذنها (2).
قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله هذا الكلام وهجر السكران سواء، في تقارب المخرج، واضطراب المعنى، وذلك أن قريشا لم تقدر على أذى النبي صلى الله عليه وآله، وأبو طالب حي يمنعه، فلما مات طلبته لتقتله، فخرج تارة إلى بنى عامر، وتارة إلى ثقيف، وتارة إلى بنى شيبان، ولم يكن يتجاسر على المقام بمكة الا مستترا، حتى أجاره مطعم بن عدي، ثم خرج إلى المدينة، فبذلت فيه مائة بعير لشدة حنقها عليه حين فاتها، فلم تقدر عليه، فما بالها بذلت في أبى بكر مائة بعير أخرى، وقد كان رد الجوار، وبقى بينهم فردا لا ناصر له