قلت: لما كان مدعى الخلافة قد اجتمع له أمران: إيجابي وسلبي، فالإيجابي دعواه الخلافة، والسلبي امتناعه من الطاعة، كان متميزا ممن لم يحصل له إلا القسم السلبي فقط، وهو مانع الطاعة لا غير، فكان الأحسن في فن علم البيان أن يشتمل اللفظ على التقسيم الحاضر للايجاب والسلب، فلذلك قال: " إما مدعيا ما ليس له، أو مانعا ما هو عليه ".
* * * الأصل:
أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها خير ما تواصى العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواقع الحق، فامضوا لما تؤمرون به، وقفوا عندما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتى تتبينوا، فإن لنا مع كل أمر تنكرونه غيرا.
ألا وإن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها، وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه.
ألا وإنها ليست بباقية لكم، ولا تبقون عليها، وهي وإن غرتكم منها فقد حذرتكم شرها فدعوا غرورها لتحذيرها، وأطماعها لتخويفها، وسابقوا فيها إلى الدار التي دعيتم إليها، وانصرفوا بقلوبكم عنها، ولا يخنن أحدكم خنين الأمة على ما زوى عنه منها، واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه.
ألا وإنه لا يضركم تضييع شئ من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم.