فإن قلت: أي فرق بين أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه؟ قلت: أقواهم أحسنهم سياسة، وأعلمهم بأمر الله أكثرهم علما وإجراء للتدبير بمقتضى العلم، وبين الامرين فرق واضح، فقد يكون سائسا حاذقا، ولا يكون عالما بالفقه، وقد يكون سائسا فقيها، ولا يجرى التدبير على مقتضى علمه وفقهه.
وثانيها: أن الإمامة لا يشترط في صحة انعقادها أن يحضرها الناس كافة، لأنه لو كان ذلك مشترطا لأدى إلى ألا تنعقد إمامة أبدا لتعذر اجتماع المسلمين من أطراف الأرض ولكنها تنعقد بعقد العلماء وأهل الحل والعقد الحاضرين، ثم لا يجوز بعد عقدها لحاضريها أن يرجعوا من غير سبب يقتضى رجوعهم، ولا يجوز لمن غاب عنها أن يختار غير من عقد له، بل يكون محجوجا بعقد الحاضرين، مكلفا طاعة الامام المعقود له، وعلى هذا جرت الحال في خلافة أبى بكر وعمر وعثمان، وانعقد إجماع المسلمين عليه. وهذا الكلام تصريح بصحة مذهب أصحابنا في أن الاختيار طريق إلى الإمامة، ومبطل لما تقوله الامامية من دعوى النص عليه، ومن قولهم: لا طريق إلى الإمامة سوى النص أو المعجز.
وثالثها: أن الخارج على الامام يستعتب أولا بالكلام والمراسلة، فإن أبى قوتل، وهذا هو نص الكتاب العزيز: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله﴾ (1).
ورابعها: أنه يقاتل أحد رجلين: إما رجلا ادعى ما ليس له نحو أن يخرج على الامام من يدعى الخلافة لنفسه، وإما رجلا منع ما عليه، نحو أن يخرج على الامام رجل لا يدعى الخلافة ولكنه يمتنع من الطاعة فقط.
فإن قلت: الخارج على الامام مدع الخلافة لنفسه، مانع ما عليه أيضا لأنه قد امتنع من الطاعة، فقد دخل أحد القسمين في الاخر!