شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٥٧
يحمل على من بإزائه (1)، فتجالدوا بالسيوف، وعمد الحديد لا يسمع إلا صوت ضرب الهامات، كوقع المطارق على السنادين، ومرت الصلوات كلها، فلم يصل أحد إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة، حتى تفانوا، ورق الناس، وخرج رجل من بين الصفين، لا يعلم من هو، فقال: أيها الناس، أخرج فيكم المحلقون؟ فقيل: لا فقال إنهم سيخرجون، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لهم حمة كحمة الحيات. ثم غاب الرجل فلم يعلم من هو (2)!
قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن السدى، قال: اختلط أمر الناس تلك الليلة، وزال أهل الرايات عن مراكزهم، وتفرق أصحاب علي عليه السلام عنه، فأتى ربيعة ليلا، فكان فيهم، وتعاظم الامر جدا، وأقبل عدى بن حاتم يطلب عليا عليه السلام في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده، فطاف يطلبه، فأصابه بين رماح ربيعة، فقال: يا أمير المؤمنين، أما إذ كنت حيا، فالامر أمم، ما مشيت إليك إلا على قتيل، وما أبقت هذه الوقعة لهم عميدا، فقاتل حتى يفتح الله عليك، فإن في الناس بقية بعد. واقبل الأشعث يلهث جزعا، فلما رأى عليا عليه السلام هلل فكبر، وقال: يا أمير المؤمنين، خيل كخيل ورجال كرجال، ولنا الفضل عليهم إلى ساعتنا هذه فعد إلى مكانك الذي كنت فيه، فإن الناس إنما يظنونك حيث تركوك. وأرسل سعيد بن قيس الهمداني إلى علي عليه السلام:
إنا مشتغلون بأمرنا مع القوم، وفينا فضل، فإن أردت أن نمد أحدا أمددناه. فأقبل علي عليه السلام على ربيعة، فقال: أنتم درعي ورمحي - قال: فربيعة تفخر بهذا الكلام إلى اليوم - فقال عدى بن حاتم: يا أمير المؤمنين، إن قوما أنست بهم، وكنت في هذه الجولة

(1) صفين: " فحمل الناس على راياتهم كل قوم بحيالهم ".
(2) صفين 447، 448.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303