يحمل على من بإزائه (1)، فتجالدوا بالسيوف، وعمد الحديد لا يسمع إلا صوت ضرب الهامات، كوقع المطارق على السنادين، ومرت الصلوات كلها، فلم يصل أحد إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة، حتى تفانوا، ورق الناس، وخرج رجل من بين الصفين، لا يعلم من هو، فقال: أيها الناس، أخرج فيكم المحلقون؟ فقيل: لا فقال إنهم سيخرجون، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لهم حمة كحمة الحيات. ثم غاب الرجل فلم يعلم من هو (2)!
قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن السدى، قال: اختلط أمر الناس تلك الليلة، وزال أهل الرايات عن مراكزهم، وتفرق أصحاب علي عليه السلام عنه، فأتى ربيعة ليلا، فكان فيهم، وتعاظم الامر جدا، وأقبل عدى بن حاتم يطلب عليا عليه السلام في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده، فطاف يطلبه، فأصابه بين رماح ربيعة، فقال: يا أمير المؤمنين، أما إذ كنت حيا، فالامر أمم، ما مشيت إليك إلا على قتيل، وما أبقت هذه الوقعة لهم عميدا، فقاتل حتى يفتح الله عليك، فإن في الناس بقية بعد. واقبل الأشعث يلهث جزعا، فلما رأى عليا عليه السلام هلل فكبر، وقال: يا أمير المؤمنين، خيل كخيل ورجال كرجال، ولنا الفضل عليهم إلى ساعتنا هذه فعد إلى مكانك الذي كنت فيه، فإن الناس إنما يظنونك حيث تركوك. وأرسل سعيد بن قيس الهمداني إلى علي عليه السلام:
إنا مشتغلون بأمرنا مع القوم، وفينا فضل، فإن أردت أن نمد أحدا أمددناه. فأقبل علي عليه السلام على ربيعة، فقال: أنتم درعي ورمحي - قال: فربيعة تفخر بهذا الكلام إلى اليوم - فقال عدى بن حاتم: يا أمير المؤمنين، إن قوما أنست بهم، وكنت في هذه الجولة