قال نصر: جاء رجل إلى معاوية بعد انقضاء صفين وخلوص الامر له، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي عليك حقا، قال: وما هو؟ قال: حق عظيم! قال: ويحك ما هو! قال:
أتذكر يوما قدمت فرسك لتفر، وقد غشيك أبو تراب والأشتر، فلما أردت أن تستوثبه وأنت على ظهره، أمسكت بعنانك وقلت لك: أين تذهب! إنه للؤم بك ان تسمح العرب بنفوسها لك شهرين، ولا تسمح لها بنفسك ساعة وأنت ابن ستين! وكم عسى أن تعيش في الدنيا بعد هذه السن إذا نجوت! فتلومت في نفسك ساعة، ثم أنشدت شعرا لا أحفظه ثم نزلت! فقال: ويحك! فإنك لأنت هو! والله ما أحلني هذا المحل إلا أنت، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن النخعي، عن ابن عباس، قال: تعرض عمرو بن العاص لعلى عليه السلام يوما من أيام صفين، وظن أنه يطمع منه في غرة فيصيبه، فحمل عليه علي عليه السلام فلما كاد ان يخالطه أذرى نفسه عن فرسه، ورفع ثوبه وشغر برجله، فبدت عورته، فصرف عليه السلام وجهه عنه [وارتث] (1)، وقام معفرا بالتراب، هاربا على رجليه، معتصما بصفوفه. فقال أهل العراق: يا أمير المؤمنين، أفلت الرجل! فقال أتدرون من هو؟ قالوا: لا، قال: فإنه عمرو بن العاص، تلقاني بسوءته، فصرفت وجهي عنه، ورجع عمرو إلى معاوية، فقال: ما صنعت يا أبا عبد الله؟ فقال:
لقيني على فصرعني، قال: أحمد الله وعورتك، والله إني لأظنك لو عرفته لما أقحمت عليه، وقال معاوية في ذلك:
ألا لله من هفوات عمرو * يعاتبني على تركي برازي