العراق فإنهم أهل فتنة ونفاق، وله مع ذلك هوى يرديه، وبطانة تغويه فوالذي نفسي بيده لئن أفلت من حبائلك، ليجهزن إليك جيشا تكثر صواهله، لشر يوم لك. فقال عبد الله وهو في القيد: يا بن الأبتر، هلا كانت هذه الحماسة عندك يوم صفين، ونحن ندعوك إلى البراز، وتلوذ بشمائل الخيل كالأمة السوداء والنعجة القوداء (1)! أما إنه إن قتلني قتل رجلا كريم المخبرة، حميد المقدرة (2)، ليس بالجبس المنكوس، ولا الثلب (3) المركوس. فقال عمرو:
دع كيت وكيت، فقد وقعت بين لحيي لهزم فروس للأعداء، يسعطك إسعاط الكودن (4) الملجم. قال عبد الله: أكثر إكثارك، فإني أعلمك بطرا في الرخاء، جبانا في اللقاء هيابة عند كفاح الأعداء، ترى أن تقى مهجتك بأن تبدى سوأتك. أنسيت صفين وأنت تدعى إلى النزال، فتحيد عن القتال، خوفا أن يغمرك رجال لهم أبدان شداد، وأسنة حداد، ينهبون السرح، ويذلون العزيز!
قال عمرو: لقد علم معاوية أنى شهدت تلك المواطن، فكنت فيها كمدرة الشوك، ولقد رأيت أباك في بعض تلك المواطن تخفق أحشاؤه، وتنق أمعاؤه. قال:
أما والله لو لقيك أبى في ذلك المقام، لارتعدت منه فرائصك، ولم تسلم منه مهجتك، ولكنه قاتل غيرك فقتل دونك.
فقال معاوية ألا تسكت لا أم لك! فقال: يا بن هند، أتقول لي هذا! والله لئن شئت لأعرقن جبينك، ولأقيمنك وبين عينيك وسم يلين له أخدعاك. أبأكثر من الموت تخوفني! فقال معاوية أو تكف يا بن أخي! وأمر به إلى السجن.
فقال عمرو: وذكر الأبيات، فقال عبد الله: وذكر الأبيات أيضا، وزاد: " فأطرق معاوية طويلا حتى ظن أنه لن يتكلم " ثم قال: