شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٣٣
العراق فإنهم أهل فتنة ونفاق، وله مع ذلك هوى يرديه، وبطانة تغويه فوالذي نفسي بيده لئن أفلت من حبائلك، ليجهزن إليك جيشا تكثر صواهله، لشر يوم لك. فقال عبد الله وهو في القيد: يا بن الأبتر، هلا كانت هذه الحماسة عندك يوم صفين، ونحن ندعوك إلى البراز، وتلوذ بشمائل الخيل كالأمة السوداء والنعجة القوداء (1)! أما إنه إن قتلني قتل رجلا كريم المخبرة، حميد المقدرة (2)، ليس بالجبس المنكوس، ولا الثلب (3) المركوس. فقال عمرو:
دع كيت وكيت، فقد وقعت بين لحيي لهزم فروس للأعداء، يسعطك إسعاط الكودن (4) الملجم. قال عبد الله: أكثر إكثارك، فإني أعلمك بطرا في الرخاء، جبانا في اللقاء هيابة عند كفاح الأعداء، ترى أن تقى مهجتك بأن تبدى سوأتك. أنسيت صفين وأنت تدعى إلى النزال، فتحيد عن القتال، خوفا أن يغمرك رجال لهم أبدان شداد، وأسنة حداد، ينهبون السرح، ويذلون العزيز!
قال عمرو: لقد علم معاوية أنى شهدت تلك المواطن، فكنت فيها كمدرة الشوك، ولقد رأيت أباك في بعض تلك المواطن تخفق أحشاؤه، وتنق أمعاؤه. قال:
أما والله لو لقيك أبى في ذلك المقام، لارتعدت منه فرائصك، ولم تسلم منه مهجتك، ولكنه قاتل غيرك فقتل دونك.
فقال معاوية ألا تسكت لا أم لك! فقال: يا بن هند، أتقول لي هذا! والله لئن شئت لأعرقن جبينك، ولأقيمنك وبين عينيك وسم يلين له أخدعاك. أبأكثر من الموت تخوفني! فقال معاوية أو تكف يا بن أخي! وأمر به إلى السجن.
فقال عمرو: وذكر الأبيات، فقال عبد الله: وذكر الأبيات أيضا، وزاد: " فأطرق معاوية طويلا حتى ظن أنه لن يتكلم " ثم قال:

(1) القوداء: الذليلة المنقادة.
(2) المقدرة، مثلثة الدال: القوة واليسار.
(3) الثلب: المعيب.
(4) الكودن: البرذون يوكف ويشبه به البليد.
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303