الله! كنت وضيعا فرفعني الله، ومملوكا فأعتقني الله، وضعيفا فقواني الله، وفقيرا فأغناني الله! قال عمرو: فما ترى في قتل عثمان، قال: فتح لكم باب كل سوء، قال عمرو: فعلى قتله؟ قال عمار: بل الله رب على قتله وعلى معه، قال عمرو: فكنت (1) فيمن قتله؟ قال:
كنت مع من قتله، وأنا اليوم أقاتل معهم، قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمار: إنه أراد أن يغير ديننا فقتلناه، فقال عمرو: ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل إمامكم! فقال عمار، قد قالها فرعون قبلك لقومه: " ألا تستمعون " (2). فقام أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم، ورجعوا، وقام عمار وأصحابه فركبوا خيولهم ورجعوا، وبلغ معاوية ما كان بينهم، فقال:
هلكت العرب إن حركتهم - خفة العبد الأسود - يعنى عمارا (3).
قال نصر: فحدثنا عمرو بن شمر، قال: فخرجت (4) الخيول إلى القتال واصطفت بعضها لبعض، وتزاحف الناس وعلى عمار درع بيضاء، وهو يقول: أيها الناس، الرواح إلى الجنة.
فقاتل القوم قتالا شديدا لم يسمع السامعون بمثله، وكثرت القتلى حتى أن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله. وحكى الأشعث بعد ذلك، قال لقد رأيت أخبية صفين وأروقتها، وما فيها خباء ولا رواق ولا فسطاط إلا مربوطا بيد إنسان أو برجله.
قال نصر: وجعل أبو السماك الأسدي يأخذ إداوة من ماء وشفرة حديدة، فيطوف في القتلى، فإذا رأى رجلا جريحا وبه رمق أقعده فيقول له: من أمير المؤمنين؟ فإذا قال: