فإن قلت: فقد تطرأ على الانسان حالة يستصعبها قيود الموت لنفسه، ولا يفكر فيما يتعقبه من الحياة التي تشير إليها، ولا يخطر بباله؟
قلت: ذاك شاذ نادر فلا يلتفت إليه، وإنما الحكم للأعم الأغلب، وأيضا فإن ذاك لا يلتذ بالموت، وإنما يتخلص به من الألم، وأمير المؤمنين قال: ما من شئ من الملذات إلا وهو مملول إلا الحياة وبين الملذ، والمخلص من الألم فرق واضح فلا يكون نقضا على كلامه.
فإن قلت: قد ذكرت ما قيل في حب الحياة وكراهية الموت، فهل قيل في عكس ذلك ونقيضه شئ قلت: نعم، فمن ذلك قول أبى الطيب:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا * وحسب المنايا أن يكن أمانيا (1) تمنيتها لما تمنيت أن ترى * صديقا فأعيا، أو عدوا مداجيا وقال آخر:
قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا: * في الموت ألف فضيلة لا تعرف منها أمان لقائه بلقائه * وفراق كل معاشر لا ينصف وقيل لأعرابي وقد احتضر: إنك ميت، قال: إلى أين يذهب بي؟ قيل: إلى الله، قال: ما أكره أن أذهب إلى من لم أر الخير إلا منه.
إبراهيم بن مهدي:
وإني وإن قدمت قبلي لعالم * بأني وإن أبطأت عنك قريب (2) وإن صباحا نلتقي في مسائه * صباح إلى قلبي الغداة حبيب وقال بعض السلف: ما من مؤمن إلا والموت خير له من الحياة، لأنه إن كان محسنا