وقال محمد بن وهيب الحميري:
ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها * وما كنت منه فهو شئ محبب وهذا مأخوذ من قول أمير المؤمنين عليه السلام، وقد قيل له: ما أكثر حب الناس للدنيا! فقال: هم أبناؤها أيلام الانسان على حب أمه.
وقال آخر:
يا موت ما أفجاك من نازل * تنزل بالمرء على رغمه تستلب العذراء من خدرها * وتأخذ الواحد من أمه أبو الطيب:
وهي معشوقة على الغدر لا تحفظ عهدا ولا تتمم وصلا (1) كل دمع يسيل منها عليها * وبفك اليدين عنها تخلى شيم الغانيات فيها فلا أدرى لذا أنث اسمها الناس أم لا.
فإن قلت كيف يقول: إنه لا يجد في الموت راحة؟ وأين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر "! ومن قوله عليه السلام: " والله ما أرجو الراحة إلا بعد الموت "! وما ذا يعمل بالصالحين الذين آثروا فراق هذه العاجلة، واختاروا الآخرة، وهو عليه السلام سيدهم وأميرهم!
قلت: لا منافاة، فإن الصالحين، إنما طلبوا أيضا الحياة المستمرة بعد الموت، ورسول الله صلى الله عليه وآله إنما قال: إن الدنيا سجن المؤمن، لان الموت غير مطلوب للمؤمن لذاته، إنما يطلبه للحياة المتعقبة له، وكذلك قوله عليه السلام: " والله ما أرجو الراحة إلا بعد الموت "، تصريح بأن الراحة في الحياة التي تتعقب الموت وهي حياة الأبد، فلا منافاة إذا بين هذه الوجوه وبين ما فاله عليه السلام، لأنه ما نفى إلا الراحة في الموت نفسه، لا في الحياة الحاصلة بعده.