شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٩٠
وقال محمد بن وهيب الحميري:
ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها * وما كنت منه فهو شئ محبب وهذا مأخوذ من قول أمير المؤمنين عليه السلام، وقد قيل له: ما أكثر حب الناس للدنيا! فقال: هم أبناؤها أيلام الانسان على حب أمه.
وقال آخر:
يا موت ما أفجاك من نازل * تنزل بالمرء على رغمه تستلب العذراء من خدرها * وتأخذ الواحد من أمه أبو الطيب:
وهي معشوقة على الغدر لا تحفظ عهدا ولا تتمم وصلا (1) كل دمع يسيل منها عليها * وبفك اليدين عنها تخلى شيم الغانيات فيها فلا أدرى لذا أنث اسمها الناس أم لا.
فإن قلت كيف يقول: إنه لا يجد في الموت راحة؟ وأين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر "! ومن قوله عليه السلام: " والله ما أرجو الراحة إلا بعد الموت "! وما ذا يعمل بالصالحين الذين آثروا فراق هذه العاجلة، واختاروا الآخرة، وهو عليه السلام سيدهم وأميرهم!
قلت: لا منافاة، فإن الصالحين، إنما طلبوا أيضا الحياة المستمرة بعد الموت، ورسول الله صلى الله عليه وآله إنما قال: إن الدنيا سجن المؤمن، لان الموت غير مطلوب للمؤمن لذاته، إنما يطلبه للحياة المتعقبة له، وكذلك قوله عليه السلام: " والله ما أرجو الراحة إلا بعد الموت "، تصريح بأن الراحة في الحياة التي تتعقب الموت وهي حياة الأبد، فلا منافاة إذا بين هذه الوجوه وبين ما فاله عليه السلام، لأنه ما نفى إلا الراحة في الموت نفسه، لا في الحياة الحاصلة بعده.

(1) ديوانه 3: 131. 132.
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303