فإن قلت: إنه عليه السلام لم يقل هكذا، وإنما قال: إذا حكم بالصدق في كتاب الله، فنحن أولى به، وإذا حكم بالسنة فنحن أحق بها!
قلت: إنه رفع نفسه عليه السلام أن يصرح بذكر الخلافة فكنى عنها وقال نحن:
إذا حكم بالكتاب والسنة أولى بالكتاب والسنة، ويلزم من كونه أولى بالكتاب والسنة من جميع الناس أن يكون أولى بالخلافة من جميع الناس، فدل على ما كنى عنه بالامر المستلزم له.
فإن قلت إذا كان الرجال الذين يترجمون القرآن ويفسرونه وقد كلفوا أن يحكموا في واقعة أهل العراق وأهل الشام، بما يدلهم القرآن عليه، يجوز أن يختلفوا في تفسير القرآن وتأويله، فيدعى صاحب أهل العراق من تفسيره ما يستدل به على مراده، ويدعى وكيل أهل الشام ما يقابل ذلك ويناقضه، بطريق الشبهة التي تمسكوا بها من دم عثمان، ومن كون الاجماع لم يحصل على بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، احتاج الحكمان حينئذ إلى أن يحكم بينهما حكمان آخران، والقول فيهما كالقول في الأول إلى مالا نهاية له وإنما كان يكون التحكيم قاطعا للشغب لو كان القرآن ينص بالصريح الذي لا تأويل فيه، أما على أمير المؤمنين عليه السلام وإما على معاوية، ولا نص صريح فيه، بل الذي فيه يحتمل التأويل والتجاذب فما الذي يفيد التحكيم والحال تعود لا محالة جذعة!
قلت: لو تأمل الحكمان الكتاب حق التأمل، لوجدا فيه النص الصريح على صحة خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، لان فيه النص الصريح على أن الاجماع حجة، ومعاوية لم يكن مخالفا في هذه المقدمة ولا أهل الشام، وإذا كان الاجماع حجة، فقد وقع الاجماع لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله، على أن اختيار خمسة من صلحاء المسلمين لواحد منهم وبيعته توجب لزوم طاعته وصحة خلافته، وقد بايع أمير المؤمنين عليه السلام خمسة من