ثم أقسم عليه السلام أن أهل الشام لا بد أن يظهروا على أهل العراق، وأن ذلك ليس لأنهم على الحق وأهل العراق على الباطل، بل لأنهم أطوع لأميرهم، ومدار النصرة في الحرب إنما هو على طاعة الجيش وانتظام أمره، لا على اعتقاد الحق، فإنه ليس يغنى في الحرب أن يكون الجيش محقا في العقيدة إذا كان مختلف الآراء، غير مطيع لأمر المدبر له، ولهذا تجد أهل الشرك كثيرا ما ينتصرون على أهل التوحيد.
ثم ذكر عليه السلام نكتة لطيفة في هذا المعنى، فقال: العادة أن الرعية تخاف ظلم الوالي، وأنا أخاف ظلم رعيتي، ومن تأمل أحواله عليه السلام في خلافته، علم أنه كان كالمحجور عليه، لا يتمكن من بلوغ ما في نفسه، وذلك لان العارفين بحقيقة حاله كانوا قليلين، وكان السواد الأعظم، لا يعتقدون فيه الامر الذي يجب اعتقاده فيه، ويرون تفضيل من تقدمه من الخلفاء عليه، ويظنون أن الأفضلية إنما هي الخلافة، ويقلد أخلافهم أسلافهم، ويقولون: لولا أن الأوائل علموا فضل المتقدمين عليه لما قدموهم، ولا يرونه إلا بعين التبعية لمن سبقه، وأنه كان رعية لهم، وأكثرهم إنما يحارب معه بالحمية، وبنخوة العربية لا بالدين والعقيدة، وكان عليه السلام مدفوعا إلى مداراتهم ومقاربتهم، ولم يكن قادرا على إظهار ما عنده، ألا ترى إلى كتابه إلى قضاته في الأمصار.!
وقوله: " فاقضوا كما كنتم تقضون، حتى تكون للناس جماعة، وأموت كما مات أصحابي "، وهذا الكلام لا يحتاج إلى تفسير، ومعناه واضح، وهو أنه قال لهم: اتبعوا عادتكم الآن بعاجل الحال في الاحكام والقضايا التي كنتم تقضون بها إلى أن يكون للناس جماعة، أي إلى أن تسفر هذه الأمور والخطوب عن الاجتماع وزوال الفرقة، وسكون الفتنة، وحينئذ أعرفكم ما عندي في هذه القضايا والاحكام التي قد استمررتم عليها.
ثم قال: " أو أموت كما مات أصحابي "، فمن قائل يقول: عنى بأصحابه الخلفاء المتقدمين،