يعلم أنه متى وافق إحدى الطائفتين باينته الأخرى، وأسلمته وتولت عنه وخذلته، فأخذ عليه السلام يعتمد في جوابه ويستعمل في كلامه ما يظن به كل واحدة من الفرقتين أنه يوافق رأيها ويماثل اعتقادها، فتارة يقول: الله قتله وأنا معه، وتذهب الطائفة الموالية لعثمان إلى أنه أراد أن الله أماته وسميتني كما أماته، وتذهب الطائفة الأخرى إلى أنه أراد أنه قتل عثمان مع قتل الله له أيضا، وكذلك قوله تارة أخرى: " ما أمرت به ولا نهيت عنه "، وقوله: " لو أمرت به لكنت قاتلا، ولو نهيت عنه لكنت ناصرا "، وأشياء من هذا الجنس مذكورة مروية عنه، فليزل على هذه الوتيرة حتى قبض عليه السلام، وكل من الطائفتين موالية له معتقدة أن رأيه في عثمان كرأيها، فلو لم يكن له من السياسة إلا هذا القدر - مع كثرة خوض الناس حينئذ في أمر عثمان والحاجة إلى ذكره في كل مقام - لكفاه في الدلالة على أنه أعرف الناس بها، وأحذقهم فيها، وأعلمهم بوجوه مخارج الكلام، وتدبير أحوال الرجال.
* * * ثم نعود إلى الشرح:
قوله عليه السلام: " ونصحت لكم "، هو الأفصح، وعليه، ورد لفظ القرآن (1)، وقول العامة: " نصحتك " ليس بالأفصح.
قوله: " وعبيد كأرباب " يصفهم بالكبر و التيه.
فإن قلت: كيف قال عنهم إنهم عبيد وكانوا عربا صلبية؟ قلت: يريد أن أخلاقهم كأخلاق العبيد، من الغدر والخلاف ودناءة الأنفس، وفيهم مع ذلك كبر السادات والأرباب وتيههم، فقد جمعوا خصال السوء كلها.
وأيادي سبأ، مثل يضرب للمتفرقين، وأصله قوله تعالى عن أهل سبأ: (ومزقناهم