ومن قائل يقول: عنى بأصحابه شيعته كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ونحوهم، ألا ترى إلى قوله على المنبر في أمهات الأولاد: " كان رأيي ورأي عمر ألا يبعن، وأنا أرى الآن بيعهن "، فقام عليه عبيدة السلماني فقال له: رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك، فما أعاد عليه حرفا، فهل يدل هذا على القوة والقهر، أم على الضعف في السلطان والرخاوة! وهل كانت المصلحة والحكمة تقتضي في ذلك الوقت غير السكوت والامساك!
ألا ترى أنه كان يقرأ في صلاة الصبح وخلفه جماعة من أصحابه، فقرأ واحد منهم رافعا صوته، معارضا قراءة أمير المؤمنين عليه السلام: (إن الحكم إلا لله يقضى بالحق وهو خير الفاصلين). فلم يضطرب عليه السلام، ولم يقطع صلاته ولم يلتفت وراءه، ولكنه قرأ معارضا له على البديهة: (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) (2). وهذا صبر عظيم وأناة عجيبة وتوفيق بين، وبهذا ونحوه استدل أصحابنا المتكلمون على حسن سياسته وصحة تدبيره، لان من منى بهذه الرعية المختلفة الأهواء، وهذا الجيش العاصي له، المتمرد عليه، ثم كسر بهم الأعداء، وقتل بهم الرؤساء، فليس يبلغ أحد في حسن السياسة وصحة التدبير مبلغه، ولا يقدر أحد قدره، وقد قال بعض المتكلمين من أصحابنا: إن سياسة علي عليه السلام إذا تأملها المنصف متدبرا لها بالإضافة إلى أحواله التي دفع إليها مع أصحابه، جرت مجرى المعجزات، لصعوبة الامر وتعذره، فإن أصحابه كانوا فرقتين: إحداهما تذهب إلى أن عثمان قتل مظلوما وتتولاه وتبرأ من أعدائه، والأخرى - وهم جمهور أصحاب الحرب وأهل الغناء والبأس - يعتقدون أن عثمان قتل لاحداث أوجبت عليه القتل، وقد كان منهم من يصرح بتكفيره، وكل من هاتين الفرقتين يزعم أن عليا عليه السلام موافق لها على رأيها، وتطالبه في كل وقت بأن يبدي مذهبه في عثمان، وتسأله أن يجيب بجواب واضح في أمره، وكان عليه السلام،