عليه بالإمامة من جهة الرسول صلى الله عليه وآله، وإن كان أولى الناس بها وأحقهم بمنزلتها، لأنه لو كان منصوصا عليه بالإمامة من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام لما جاز له أن يقول:
" دعوني والتمسوا غيري "، ولا أن يقول: " ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم "، ولا أن يقول: " وأنا لكم وزيرا خير منى لكم أميرا ". وتحمله الامامية على وجه آخر فيقولون:
إن الذين أرادوه على البيعة هم كانوا العاقدين بيعة الخلفاء من قبل، وقد كان عثمان منعهم أو منع كثيرا منهم عن حقه من العطاء، لان بنى أمية استأصلوا الأموال في أيام عثمان، فلما قتل قالوا لعلى عليه السلام: نبايعك على أن تسير فينا سيرة أبى بكر وعمر لأنهما كانا لا يستأثران بالمال لأنفسهما ولا لأهلهما، فطلبوا من علي عليه السلام البيعة، على أن يقسم عليهم بيوت الأموال قسمة أبى بكر وعمر، فاستعفاهم وسألهم أن يطلبوا غيره ممن يسير بسيرتهما، وقال لهم كلاما تحته رمز، وهو قوله: " إنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت ".
قالوا: وهذا كلام له باطن وغور عميق، معناه الاخبار عن غيب يعلمه هو ويجهلونه هم (1)، وهو الانذار بحرب المسلمين بعضهم لبعض، واختلاف الكلمة وظهور الفتنة.
ومعنى قوله: " له وجوه وألوان " أنه موضع شبهة وتأويل، فمن قائل يقول: أصاب على، ومن قائل يقول: أخطأ، وكذلك القول في تصويب محاربيه من أهل الجمل وصفين والنهروان وتخطئتهم، فإن المذاهب فيه وفيهم تشعبت وتفرقت جدا.
ومعنى قوله: الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت " أن الشبهة قد استولت على العقول والقلوب، وجهل أكثر الناس محجة الحق أين هي، فأنا لكم وزيرا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أفتى فيكم بشريعته وأحكامه خير لكم منى أميرا محجورا عليه