وكما قال الآخر:
يستعذبون مناياهم كأنهم * لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا فإن قلت: فما قولك فيما أقسم عليه: هل ألف ضربة بالسيف أهون ألما على المقتول من موتة واحدة على الفراش بالحقيقة، أم هذا قول قاله على سبيل المبالغة والتجوز، ترغيبا لأصحابه في الجهاد؟
قلت: الحالف يحلف على أحد أمرين: أحدهما أن يحلف على ظنه واعتقاده، نحو أن يحلف أن زيدا في الدار، أنا حالف ومقسم على أنى أظن أن زيدا في الدار، أو أنى أعتقد كون زيد في الدار. والثاني إن يحلف، لا على ظنه بل يحلف على نفس الامر في الخارج، فإن حملنا قسم أمير المؤمنين عليه السلام على المحمل الأول فقد اندفع السؤال، لأنه عليه السلام قد كان يعتقد ذلك. فحلف أنه يعتقد وأنه يظن ذلك، وهذا لا كلام فيه، وإن حملناه على الثاني فالامر في الحقيقة يختلف، لان المقتول بسيف صارم معجل للزهوق لا يجد من الألم وقت الضربة ما يجده الميت دون النزع من المد والكف، نعم، قد يجد المقتول قبل الضربة ألم التوقع لها، وليس كلامنا في ذلك، بل في ألم الضربة نفسها، وألف سيف صارم مثل سيف واحد، إذا فرضنا سرعة الزهوق، وأما في غير هذه الصورة، نحو أن يكون السيف كالا، وتتكرر الضربات به، والحياة باقية بعد، وقايسنا بينه وبين ميت يموت حتف أنفه موتا سريعا، إما بوقوف القوة الغاذية كما يموت الشيوخ، أو بإسهال ذريع تسقط معه القوة، ويبقى العقل والذهن، إلى وقت الموت، فإن الموت هاهنا أهون وأقل ألما، فالواجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه السلام إما على جهة التحريض، فيكون قد بالغ كعادة العرب، والخطباء في المبالغات المجازية، وإما أن يكون أقسم على أنه يعتقد ذلك، وهو صادق فيما أقسم، لأنه هكذا كأن يعتقد بناء على