فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار، ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض. ثم خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عددها وعدتها، فخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي، فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال.
ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم لبعض، وخرج في اليوم الثالث عمار بن ياسر، وخرج إليه عمرو بن العاص، فاقتتل الناس كأشد قتال كان، وجعل عمار يقول: يا أهل الشام، أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين. فلما أراد الله أن يظهر دينه، وينصر رسوله أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله فأسلم، وهو والله فيما يرى راهب غير راغب. ثم قبض الله رسوله، وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم، ومودة المجرم! ألا وإنه معاوية، فقاتلوه والعنوه، فإنه ممن يطفئ نور الله، ويظاهر أعداء الله.
قال: وكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل، فأمره أن يحمل في الخيل، فحمل فصبروا (1) له، وشد عمار في الرجالة، فأزال عمرو بن العاص عن موقفه، وبارز يومئذ زياد بن النضر أخا له (2) من بنى عامر يعرف بمعاوية بن عمرو العقيلي، وأمهما هند الزبيدية، فانصرف كل واحد منهما عن صاحبه بعد المبارزة سالما، ورجع الناس يومهم ذلك، * * * قال نصر: وحدثني (3) أبو عبد الرحمن المسعودي قال: حدثني يونس بن الأرقم، عمن حدثه من شيوخ بكر بن وائل، قال: كنا مع علي عليه السلام بصفين، فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح، فقال ناس: هذا لواء عقده له رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يزالوا يتحدثون حتى وصل ذلك إلى علي عليه السلام، فقال: