أما بعد، فإن عهدي بك وأنت لليتيم كالأب الرحيم، وللضعيف كالأخ البر، تعاضد قوى المسلمين، وتصنع للأخرق منهم، لا تأخذك في الله لومة لائم، ولا ترى معونة ظالم، كذلك كنت أنت وأصحابك، أولا (1) تتذكر قولك: لولا أنى أعلم أن للامام العادل مثل أجر رعيته ما توليت أمر رجلين من المسلمين! فلما شريت نفسك في طاعة ربك ابتغاء مرضاته، وأصبت من الحق فصه (2)، وصبرت على مره، تجرد لك الشيطان، ولم يكن أحد أثقل عليه وطأة منك ومن أصحابك، فاستمالك واستهواك، وأغواك فغويت، وأكفرت الذين عذرهم الله تعالى في كتابه، من قعدة المسلمين وضعفتهم، قال الله عز وجل، وقوله الحق، ووعده الصدق: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) (3): ثم سماهم تعالى أحسن الأسماء فقال: (ما على المحسنين من سبيل) (4) ثم استحللت قتل الأطفال، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم عن قتلهم، وقال الله جل ثناؤه: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (4)، وقال سبحانه في القعدة خيرا، فقال: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (5) فتفضيله المجاهدين على القاعدين لا يدفع منزلة من هو دون المجاهدين، أو ما سمعت قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر) (6) فجعلهم من المؤمنين. [وفضل عليهم المجاهدين بأعمالهم] (7) ثم إنك لا تؤدى أمانة إلى من خالفك، والله تعالى قد أمر أن تؤدى الأمانات إلى أهلها. فاتق الله في نفسك، واتق يوما لا يجزى فيه والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا، فإن الله بالمرصاد، وحكمه العدل، وقوله الفصل. والسلام (8).
(١٣٧)