فكتب إليه نافع:
أما بعد، أتاني كتابك تعظني فيه، وتذكرني وتنصح لي وتزجرني، وتصف ما كنت عليه من الحق، وما كنت أوثره من الصواب، وأنا أسأل الله أن يجعلني من القوم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وعبت على ما دنت به، من إكفار القعدة وقتل الأطفال، واستحلال الأمانة من المخالفين، وسأفسر لك إن شاء الله...
أما هؤلاء القعدة، فليسوا كمن ذكرت ممن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه، ولأنهم كانوا بمكة مقهورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا، ولا إلى الاتصال بالمسلمين طريقا، وهؤلاء قد تفقهوا في الدين، وقرأوا القرآن، والطريق لهم نهج واضح. وقد عرفت ما قال الله تعالى فيمن كان مثلهم، إذ قالوا: ﴿كنا مستضعفين في الأرض﴾ (1) فقال: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) (1)، وقال سبحانه: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) (2)، وقال: (وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم) (3) فخبر بتعذيرهم، وأنهم كذبوا الله ورسوله، ثم قال: (سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم) (3) فانظر إلى أسمائهم وسماتهم.
وأما الأطفال، فإن نوحا نبي الله كان أعلم بالله منى ومنك، وقد قال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) (4)، فسماهم بالكفر وهم أطفال، وقبل أن يولدوا، فكيف كان ذلك