فمكث حولا، ثم ركب على مثل حاله. فبينا هو يسير إذا هو بسرير تحمله الرجال على عواتقها. فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل مات.
قال لهم: وما الموت؟ إيتوني به! فأتوه به. فقال: أجلسوه. فقالوا.
إنه لا يجلس. قال: كلموه. قالوا: إنه لا يتكلم. قال. فأين تذهبون.
به؟ قالوا: ندفنه تحت الثرى. قال: فيكون ماذا بعد هذا؟ قالوا:
الحشر. قال لهم: وما الحشر؟ قالوا: (يوم يقوم الناس لرب العالمين) [المطففين: 5]، فيجزى كل واحد على قدر حسناته وسيئاته. قال:
ولكم دار غير هذه تجازون فيها؟ قالوا: نعم. فرمى بنفسه من الفرس وجعل يعفر وجهه في التراب، وقال لهم: من هذا كنت أخشى! كاد هذا يأتي علي وأنا لا أعلم به، أما ورب يعطي ويحشر ويجازي! إن هذا آخر العهد بيني وبينكم، فلا سبيل لكم علي بعد هذا اليوم.
فقالوا: لا ندعك حتى نردك إلى أبيك.
قال: فردوه إلى أبيه، وكاد ينزف دمه. فقال: يا بني! ما هذا الجزع؟ قال: جزعي ليوم يعطي فيه الصغير والكبير مجازاتهما ما عملا من الخير والشر. فدعا بثياب فلبسها، وقال: إني عازم في الليل أن أخرج. فلما كان في نصف الليل، أو قريبا منه، خرج. فلما خرج من باب القصر، قال: الهم! إني أسألك أمرا ليس لي منه قليل ولا كثير، قد سبقت فيه المقادير. إلهي! لوددت أن الماء كان في