ثم ركب يوما فإذا عليه حائط مصمت، فقال: إني أحسب ان خلف هذا الحائط ناسا وعالما آخر، فأخرجوني أزدد علما وألقى الناس.
فقيل ذلك لأبيه، ففزع وخشي أن يتبع سنة إخوته، فقال: اجمعوا عليه كل لهو ولعب، ففعلوا ذلك.
ثم ركب في السنة الثانية. فقال: لا بد من الخروج. فأخبر بذلك الشيخ، فقال: أخرجوه. فجعل على عجلة وكلل بالزبرجد والذهب وصار حوله حافتان من الناس. فبينا هو يسير إذا هو برجل مبتلى فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل مبتلى. فقال: أيصيب ناسا دون ناس أو كل خائف له؟ قالوا: كل خائف له. قال: وأنا فيما انا فيه من السلطان؟ قالوا: نعم، قال: أف لعيشكم هذا! هذا عيش كدر. فرجع مغموما محزونا، فقيل لأبيه، فقال: انشروا عليه كل لهو وباطل حتى تنزعوا من قلبه هذا الحزن والغم.
فلبث حولا، ثم قال: أخرجوني، فأخرج على مثل حاله الأول.
فبينا هو يسير إذا هو برجل قد هرم، ولعابه يسيل من فيه.
فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل قد هرم. قال: يصيب ناسا دون ناس أو كل خائف له إن هو عمر؟ قالوا: كل خائف له. قال: أف لعيشكم هذا! هذا عيش لا يصفو لأحد. فأخبر بذلك أبوه، فقال:
احشروا عليه كل لهو وباطل. فحشروا عليه.