سنة لا أعرف له خبرا، فبينا أنا ذات ليلة بعد عشاء الآخرة جالسا في بيتي، إذا بطارق يطرق الباب، فأذنت له بالدخول، فإذا بالفتى عليه قطعة من كساء في وسطه، وأخرى على عاتقه، ومعه زنبيل فيه نوى.
فقبل بين عيني، وقال لي: يا سري! أعتقك الله من النار كما أعتقتني من رق الدنيا. فأومأت إلى صاحبي أن امض إلى أهله فأخبرهم. فمضى وإذا بزوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه. فدخلت وألقت ولده في حجره وعليه حلي وحلل، وقالت له: يا سيدي! أرملتني علي وأنت حي، وأيتمت ولدك وأنت حي. قال سري: فنظر إلي وقال:
يا سري! ما هذا وفاء، ثم أقبل عليها، فقال: والله إنك لثمرة فؤادي وحبيبه قلبي، وإن هذا ولدي لأعز الخلق علي، غير أن هذا سري أخبرني أن من أراد الله قطع كل ما سواه. ثم نزع ما على الصبي، فقال:
ضعي هذا في الأكباد الجائعة والأجساد العارية، وخرق قطعة من كسائه فلف فيها الصبي. فقالت المرأة: لا أرى ولدي في هذه الحال!
وانتزعته منه; فحين رآها قد اشتغلت به، نهض وقال: ضيعتم علي ليلتي، بيني وبينكم الله، وولى خارجا، وضجت الدار بالبكاء; فقالت:
إن عدت سمعت له خبرا فأعلمني، فقلت: نعم. فلما كان بعد أيام أتت عجوز، فقالت: يا سري! بالشونيزية غلام يسألك الحضور،