متغير اللون، منكسر القلب، فقال يا أماه! ما يصنع بالعبد الآبق إذا أخذه سيده؟ فقالت: يخشن ملبسه ومطعمه ويغل يده وقدمه.
فقال: أريد جبة من صوف وأقراصا من شعير، وتفعلين بي كما يفعل بالآبق، لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني. ففعلت ما طلب. فكان إذا جنه الليل أخذ في البكاء والعويل، ويقول لنفسه: ويحك يا دينار!
ألك قوة على النار؟ كيف تعرضت لغضب الجبار؟ وكذلك إلى الصباح، فقالت له أمه في بعض الليالي: ارفق بنفسك، فقال:
دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا; يا أمي! إن لي موقفا طويلا بين يدي رب جليل، ولا أدري أيؤمر بي إلى الظل الظليل، أو إلى شر مقيل; إني أخاف عناء لا راحة بعده، وتوبيخا لا عفو معه، قالت: فاسترح قليلا، فقال: الراحة أطلب؟ أتضمنين لي الخلاص؟
قالت: فمن يضمنه لي؟ قال: فدعيني وما أنا عليه; كأنك يا أماه غدا بالخلائق يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار! فمرت به في بعض الليالي في قراءته * (فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون) * [الحجر: 92 - 93]. ففكر فيها، وبكى وجعل يضطرب كالحية حتى خر مغشيا عليه، فجاءت أمه إليه ونادته، فلم يجبها، فقالت:
قرة عيني! أين الملتقى؟ فقال بصوت ضعيف: إن لم تجديني في عرصة القيامة فاسألي مالكا عني. ثم شهق شهقة مات فيها. فجهزته