قال الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية (1) " ولو كان حكم المتصل والمرسل واحدا لما ارتحل كتبة الحديث وتكلفوا مشاق الأسقار إلى ما بعد من الأقطار، للقاء العلماء والسماع منهم في سائر الآفاق... " وكان سفيان بن عيينة بمكة يرحل إليه علي ين المديني من العراق للمذاكرة في ذلك، فقال ابن عيينة: " يلومونني على حب علي ابن المديني والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني... " وقال يحيى القطان: " أنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني ".
وكان الإمام أحمد بن حنبل يصلي من الليل مائة ركعة وأكثر، فإذا زاره يحيى بن معين اكتفي بالقليل من النافلة وجلس للمذاكرة مع يحيى، فقال له ابنه في ذلك؟ فقال: " يا بني إن ما يفوت من النافلة يدرك، لكن إذا فات ما عند هذا الفتى لا يدرك ".
ومن روائع نتائج الرحلة ما أفاده الامام الترمذي في علل الحديث من الامام البخاري، وهذا كتابه " العلل الكبير " شاهد صدق بذلك لكثرة نقوله عن الامام البخاري في معظم أحاديث الكتاب. وقد صرح الترمذي في آخر جامعه بإفادته من هذه المباحثة فقال: " وما كان فيه - يعني الجامع - من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ فهو ما استخرجته من كتب التاريخ، وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد ابن إسماعيل - يعني البخاري -... " (2) * (هامش) (1) ص 402 - 403 طبع الهند.
(2) آخر جامع الترمذي المشهور ب " سنن الترمذي ". وانظر كتابنا الامام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين ص 17 - 18، و 267. (*)