بين الأمرين، ودين الله بين المغالي فيه والمقصر عنه، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه. ولا نقول إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر العلم. ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: " ليس كمثله شئ "، " ولم يكن له كفوا أحد " انتهى كلام الخطيب رحمه الله.
لقد اجتاز الإمام الخطيب عقبة زلت فيها أقلام وأوهام حيث رد على المعتزلة وأشباههم من نفاة الصفات، ثم فهم مذهب السلف على حقيقته فأثبت تلك الصفات إثباتا يفوض علم حقيقتها إلى الله تعالى، لا إثبات تحديد وتكييف، فقرر بذلك مذهب السلف على حقيقته، لا كما يفهمه الغالطون في هذا العصر من المماحكين المكابرين الذين لم يستطيعوا التمييز بين تفويض السلف العلم بحقيقة هذه الأمور إلى الله، وبين تنزيههم الحق عما توهم الألفاظ من التشبيه وبين تشبيه الكرامية المشبهين الجاهلين.
ومن قبل صرح الامام الترمذي بهذا في حديث أبي هريرة الذي أخرجه في جامعه (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ".