ورجاحة عقلهم، وتماسك شخصيتهم، فالعالم الكثير العلم كثير التواضع لا يعرف الافتخار، ولا التبجح، ولا الدعوى ولا الدعاية، إنما هي سبيل من قل حظه في العلم، وفقد التماسك في شخصيته، فلا يجد ما يدلي به إلا التبجح، ودعوى العندية الزائفة، وتشامخ الغرور الكاذب.
ولقد كان الخطيب البغدادي مثلا يحتذي به، وأسوة يقتدي به في هذه الخليفة الرفيعة، كان جم التواضع لين الجانب، قال سعيد المؤدب:
قلت للخطيب عند لقائي له: " أنت الحافظ أبو بكر؟ " فقال:
" أنا أحمد بن علي الخطيب، انتهى الحفظ إلى الدارقطني ".
وهذه تآليفه أكبر شاهد على تواضعه، وهضم شهواته الدنيئة لح الظهور والتعاظم، فكل تأليف منها ينبئ عن غزارة علمه واطلاعه، وعن ابتكاره الناطق بإمامته. لكنك لا تجد فيها ما يشعرك بأنه يدل بذلك أو ينوه به، فضلا عن المفاخرة والتباهي...
وما أحسن قوله رحمه الله:
إن كنت تبغي الرشاد محضا * لأمر دنيا والمعاد فخالف النفس في هواها * إن الهوى جامع الفساد مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
تبوأ الخطيب البغدادي مكانة علمية عالية عند العلماء، فكان محل ثنائهم ومدحهم وثقتهم، قال أبو نصر بن ماكولا: " كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا، وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفننا في علله وأسانيده، وعلما بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره، ومطروحه... ولم يكن لبغداد بعد الدارقطني مثله ".